أزمة نظام الأسد

أزمة نظام الأسد

جيفري وايت جيفري وايت/ زميل معهد واشنطن

في الأسبوع الماضي تعرّض نظام الرئيس السوري بشار الأسد لهزيمتين كبيرتين على يد قوتين مسلحتين مختلفتين من المعارضة: الأولى على يد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في مدينة تدمر في محافظة حمص الشرقية، والثانية على يد قوات «جيش الفتح» التي خسر النظام في وجهها آخر موطئ قدم رئيسي له في محافظة إدلب. وفي حين أنّ هاتين الهزيمتين لا تشيران إلى أي سقوط وشيك للنظام، إلاّ أنّهما تشيران إلى أنّ الحرب تسير ضدّه وأنّ فترة ركود طويلة قد بدأت على الأرجح، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى انهيار الدولة أو انكماشها.

وسوف يحارب النظام وحلفاؤه رداً على عمليات هذه القوات وسيحظى ببعض النجاحات على بعض جبهات الحرب، ولكن، بعد أربع سنوات من القتال، بدأت عوامل أساسية في الصراع الدائر تميل ضد النظام وضد قدرته على إصلاح الخلل في التوازن. ولوقف ذلك أو عكسه، ستدعو الحاجة إلى حصول تغييرات كبيرة في الوضع، بما في ذلك: التحوّل إلى استراتيجية الدمج، أو زيادة كبيرة في تخصيص حلفاء النظام لقواتها في القتال، أو عكس الاتجاه التصاعدي الذي تتخذه قدرات الثوّار، أو تدخّل دبلوماسي خارجي لتجميد النزاع أو حلّه.

عناصر فشل النظام من الناحية العسكرية

تحليل نقاط القتال إلى خمسة عوامل رئيسية وراء تراجع النظام من الناحية العسكرية.

فشل الاستراتيجية. لطالما اعتمدت استراتيجية النظام العسكرية على قدراته على التسبب باستنزاف أكبر لأعدائه، وحشده المزيد من الموارد، واحتفاظه بمواقع رئيسية. وقد عملت هذه المقاربة جيداً لصالح النظام في السابق، ولكن، كما هو مبين أعلاه، بدأت هذه الاستراتيجية تلوح بالفشل؛ فالتقيد بها يكلّف النظام كثيراً. وعلى وجه الخصوص، ينشر النظام قواته على نحو غير كاف، مما يجعلها عرضة إلى العزلة والهزيمة في الوقت الذي يعزز فيه قوة أعدائه.

فشل العمليات. تعاني قوات النظام من فشل على المستوى العملياتي. فقد حققت الهجمات التي شنّها النظام جنوب غرب دمشق والمناطق المحيطة بحلب هذا الربيع القليل من المكاسب، في حين تسببت بوقوع خسائر كبيرة له. وفي المقابل، لم تتوّج عملياته الدفاعية في إدلب وشرق حمص بالنجاح، مما أدى إلى خسارته مواقع رئيسية، ومرة أخرى مع خسائر كبيرةً للنظام وخسارة في الأسلحة والذخائر. ويستثنى من ذلك الهجوم الحالي في منطقة القلمون، الذي يُعتمد فيه في المقام الأول على قوات «حزب الله» وعلى التخطيط والعزم. وهنا تؤدي قوات النظام دوراً مسانداً صارماً عبر شنّ الغارات الجوية وتوفير الدعم بالمدافع، ولكنها لا تشارك في المعارك البرية العنيفة.

فشل القوات. بالإضافة إلى تعثّر العمليات، تتعرّض قوات النظام للهزيمة في عمليات فردية. ويبدو أنّ وحدات الجيش النظامية وغير النظامية على حدّ سواء تفتقر إلى الروح الهجومية، وحتى أنها تظهر علامات عن دفاع فاتر. وحتى المواقع الدفاعية القوية مثل وادي الضيف والحميدية ومعسكر المسطومة في محافظة إدلب سقطت بسرعة مذهلة. كما أن نأنأالصيغ التكتيكية القديمة التي كان النظام قد بناها على أساس تفوّقه في الأسلحة الثقيلة والقوة الجوية، لم تعد تسفر عن النتائج الإيجابية نفسها. ومن جهة أخرى، ما زالت وحدات النظام، مثل تشكيلات “الحرس الجمهوري” و “قوات النمر” و”صقور الصحراء”، قادرةً على القتال الفعلي، إلاّ أنّ هذه الوحدات تمثّل على الأرجح أقلّ من 10 في المائة من القوات السورية وليس لديها سوى قدرة محدودة للتأثير على الوضع العسكري على النطاق الواسع.

تحسّن قدرات معارضي النظام. أصبح معارضو النظام أكثر قدرة بكثير ممّا كانوا عليه في أواخر عام 2012، وهي المرة الأخيرة التي شكّلوا فيها تهديداً خطيراً على النظام.

وفي حين لا يزال النظام متفوقاً في بعض النواحي مثل الطائرات والمدرعات الثقيلة والمدافع، أصبحت الآن قوات المعارضة مدججةً بأسلحة انتزعتها من قوات النظام وببعض الأنظمة الأساسية (على سبيل المثال، الصواريخ الموجهة المضادة للدروع) المقدمة لها من مصادر خارجية. وعادة ما تتضمن عمليات الثوار الهجومية الرئيسية “أسلحةً مندمجةً” تشمل دبابات ومدافع وقذائف هاون وغيرها من الأسلحة الثقيلة إلى جانب قوات المشاة.

كما أن التنسيق والتعاون بين قوات الثوار قد تحسّن إلى حدّ كبير، وخاصة في شمال البلاد وجنوبها. فقد أصبح الثوّار يعملون بشكل متضافر في بعض الأحيان، وفي أماكن، وعلى نطاق لم يتمكنوا من القيام به من قبل. وخير أمثلة على ذلك هم: «جيش الفتح الإسلامي» في محافظة إدلب وحلفاؤه، و«الجبهة الجنوبية» في الجنوب. يُضاف إلى ذلك قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على تطبيق استراتيجيته الخاصة بعمليات مدروسة جيداً ضد قوات النظام في شرق البلاد. وبالتالي، لم يسبق قطّ أن واجه النظام في هذه الحرب قوات قادرةً ومتناسقةً في شرق وشمال وجنوب البلاد.

لقد تحسّنت قدرة الثوّار على احتلال مواقع النظام والاحتفاظ بتلك التي يسيطرون عليها. ففي هجوم إدلب، استولى الثوّار على عدد من المواقع الدفاعية التكتيكية للنظام تراوحت بين نقاط تفتيش صغيرة ونقاط حصينة كبيرة، فضلاً عن مناطق حضرية (إدلب، جسر الشغور، أريحا) طالما كانت في جعبة النظام. ويشير ذلك إلى تحسّن الأداء العملياتي والتكتيكي لقوات الثوار، ويعود ذلك جزئياً إلى كونها أفضل تسليحاً وأفضل قدرة على تنسيق استخدامها، بالإضافة إلى تحسّن المؤهلات القتالية لوحدات الثوار. أما من حيث الانضباط والتماسك والقيادة والتحفيز، فيبدو أن بعض قوات الثوار وقوات «داعش» بشكل عام تتفوق على قوات النظام النظامية وغير النظامية. وغالباً ما يترجم ذلك بهزيمة قوات النظام على أرض المعركة، إلاً في الحالات التي تتواجد فيها وحدات عالية الكفاءة تابعة للنظام أو حلفائه.

وأما لوجستيات المعارضة المسلحة التي لطالما كانت نقطة ضعفها، فيبدو أنها قد تحسنت إلى درجة تمكّنها من شن عمليات هجومية متواصلة. وقد نتج ذلك عن تحسّن المساعدات الخارجية التي يُعتقد أنها تأتي من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، بالإضافة إلى قدرة المعارضة على الحصول على غنائم كبيرة من السلاح والذخيرة من قوات النظام عند إلحاق الهزيمة بها في المعارك. والجدير بالذكر، أنّ معظم الأسلحة الثقيلة الموجودة بين أيدي المعارضة هي في الواقع غنائم حربٍ استحوذت عليها إما في سوريا، أو في حالة تنظيم «الدولة الإسلامية»، في سوريا والعراق.

الفشل في المعارك. يشن النظام عمليات أقل نجاحاً على أرض المعركة، باستثناء المعارك التي يتلقى فيها الدعم من القوات الحليفة أو حيث تكون هذه الأخيرة في الطليعة، كما هو الحال في عمليات القلمون المستمرة التي يقودها «حزب الله».

وكما أشرنا سابقاً، فقد عانى النظام مؤخراً من سلسلةٍ من الهزائم الهامة في محافظة إدلب عندما واجه مجموعةٍ من قوى الثوار التي يهيمن عليها الإسلاميون، وفي شرق محافظة حمص عندما واجه تنظيم «داعش». وفي كلتا الحالتين، شنّ معارضو النظام عمليات تتضمّن سلسلة من المعارك لإلحاق هزائم استراتيجية بالنظام. وفي إدلب، تضمنت هذه العملية إطلاق معارك ناجحة في مدن إدلب وجسر الشغور وأريحا. وفي شرق حمص هُزمت قوات النظام من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» في السخنة وتدمر.

لا أثر: تدهور قدرات النظام: إن القدرات العسكرية للنظام آخذة في التناقص. وقد حال تدخل حلفاؤه دون تحوّل التدهور إلى هلاك، لكنّ هذا الوضع قد يكون غير مستدام. فهجمات النظام لا تُكلل بالنجاح إلا عندما تتدخل قوات «حزب الله» مباشرة، مع أنّ طلائع ربيع 2015 قد أظهرت أنّه حتى تدخلها لا يضمن النجاح، كما حدث في المعارك التي دارت جنوب غرب دمشق. وفي حالات الدفاع، يُعدّ وضع النظام أفضل حالة، مع أنّه عانى من خسائر كبيرة في المعارك الدفاعية الأخيرة في محافظات إدلب وحمص ودرعا.

تغيّر قواعد اللعبة

تميّزت الحرب في سوريا بتقلّباتها والتواءاتها الكثيرة: فقد بدا الثوّار على وشك الهزيمة في أوائل عام 2012، ثم ظهر وكأن النظام هو الذي كان على وشك الهزيمة في أواخر 2012. وبعد ذلك، أبلى النظام بلاءً حسناً في عام 2013 وفي جزء من 2014، وها هو الآن يترنح في 2015. وفي حين يبدو أن النظام على وشك دخول فترة ركود طويلة، لا يزال بإمكانه تحسين موقعه بفضل عدد من المتغيرات.

يمكن أن يغير النظام استراتيجيته عبر سحب القوات من المواقع الضعيفة التي ليست لها أهمية عسكرية حاسمة. ويتضمن ذلك قواته المتمركزة في محافظات الحسكة ودير الزور وفي المناطق البارزة في محافظتي درعا وإدلب وربما حتى في محافظة حلب. ويمكن استخدام هذه الموارد والقوات المذكورة لتدعيم الدفاعات في مناطق أكثر أهمية أو للقيام بعمليات هجومية. إلا أنّ هذا التعزيز الذي يمثل تغييراً كبيراً في استراتيجية النظام قد يعني التضحية بثلاث أو أربع عواصم محافظات وبالقوات المحلية التي تعمل مع النظام. وعلى الرغم من أن هذا الخيار غير مستساغ سياسياً، فثمة احتمال كبير أن يصبح ضرورياً.

أما حلفاء النظام، فيمكن أن يؤمّنوا له بدورهم قواتٍ إضافية للتعويض عن خساراته وتعزيز قدراته القتالية. وقد بدا أنّ خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في 24 أيار/مايو يظهر النية في تخصيص المزيد من القوات. وتزعم مصادر معارضة أن «حزب الله» قد زاد عدد قواته بالفعل في سوريا. كما أن إيران يمكن أن ترتب أمر توفير المزيد من العناصر من العراق وأفغانستان ودول أخرى، كما يمكن أن تخصص المزيد من عناصرها الخاصة لهذه الغاية. ومثل هذه الخطوات يمكن أن تحقق استقراراً في الوضع العسكري للنظام وأن تسمح له، مع ازدياد عدد العناصر، بالانتقال إلى وضعية الهجوم. بيد أن معارضي النظام الخارجيين قد يواجهوا انتصارات النظام بزيادة دعمهم للثوار.

وقد كانت زيادة تضافر الجهود إحدى الركائز الأساسية للانتصار الذي أحرزه الثوار مؤخراً. وإذا انهار هذا التضافر، فسوف يصبح الثوار أقل قدرة على النجاح في شنّ عمليات عسكرية مستحكمة ضد النظام. غير أنّ النظام لا يمكن أن يؤثر بسهولة في تحقيق مثل هذه النتيجة بقدراته الخاصة. وبغض النظر عما سيحدث لقوات المعارضة الأخرى، سيبقى نشاط «داعش» هادفاً وفعالاً للغاية.

ويمكن أن يستفيد النظام أيضاً من عملية تفاوض جادة، وخصوصاً إذا كانت تتضمن وقفاً لإطلاق النار تمنحه ما يكفي من الوقت للاستراحة والتجدد وإعادة تنظيم صفوف قواته. وتوحي حماسة الكثيرين في الغرب والأمم المتحدة للتوصل إلى “حل سياسي”، واحتمال معاناة الشعب السوري والمقاتلون من الإرهاق التام، بأنّ هذه المفاوضات تشكّل على الأقل احتمالاً وارداً.

التوقعات والخلاصة

على المدى القريب، يرجح أن يعاني النظام من تراجعات إضافية في محافظات إدلب وشرق حمص، حيث أن الوضع في حمص يبدو أكثر خطورة. وإذا ما قرر تنظيم «الدولة الإسلامية» الاستيلاء على مواقع النظام في دير الزور، فمن المرجح أنه سينجح في انتزاع المحافظة بأكملها من النظام.

وعلى المدى المتوسط، قد تشهد الساحة تزعزعاً في موقع النظام في غرب محافظة حلب أو خسارته له بالإضافة إلى تآكل إضافي في مواقعه في كل من شمال حماة وشرقها. وعلى الرغم من أن هزيمة النظام في حلب ستكون أكبر ضربة قد يتلقاها، إلا أنها لن تعني بالضرورة انتهاء الحرب.

وعلى المدى الطويل، سوف تتقدّم الحرب بصورة أكثر نحو مناطق أساسية يسيطر عليها النظام، من بينها محافظة اللاذقية ومحافظات غرب حماة وحمص، بالإضافة إلى مواقع داخل مدينة دمشق وحولها. وسوف يحاول النظام جهده للحفاظ عليها وستكون انتصارات الثوار مكلفة له، خصوصاً إذا وفر حلفاء النظام تعزيزات لدعمه.

وتبدو آفاق النظام القريبة منها وحتى البعيدة عنها مظلمةً، حتى لو أمكن إنقاذه بفضل تضافر العوامل المذكورة سابقاً. وسيكون الوضع على الأرجح عبارة عن تدهورٍ مطوّل يتميّز بالمعارك الخاسرة والمواقع المفقودة والاستنزاف الذي لا يمكن تعويضه. وفي الوقت نفسه، يبدو أنّ معارضي النظام مستعدّون لخوض حرب طويلة وتحقيق نجاحات متزايدة على أرض المعركة في سوريا.

لقد اعتاد صانعو السياسات الأمريكيون على القول بأنّ لا حل عسكري للصراع السوري، ولكن في الواقع يلوح مثل هذا “الحلّ” في الأفق. ومن المرجح أن تنتصر مجموعة من معارضي الأسد المسلّحين، أي أن تبعد النظام عن الوجود أو أن تحوّله إلى بقايا دولة صغيرة يحميها «حزب الله» على ساحل البحر المتوسط. وفي النهاية، قد يدمّر معارضو النظام ما يتبقى من هذه الدولة الرديفة التي ستكون على الأرجح منعدمة الاستقرار وغير قادرة على الصمود.

وسوف تنتج التطورات العسكرية وضعاً سياسياً جديداً في سوريا يحتاج المنتصرون فيه، الذين لن يكون الأسد من بينهم على الأرجح، إلى ترتيبه. ويصعب تحديد ماهيّة هذا الوضع السياسي، لكنّه سيكون بالتأكيد معقّداً، وعلى الأرجح عنيفاً.

 

جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات العسكرية

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.