«الإخوان المسلمون» في مصر يجددون صفوفهم

 آريك تراجر   آريك تراجر ومارينا شلبي

عمرو فراج هو كادر شاب بارز في جماعة «الإخوان المسلمين»، في الثامنة والعشرين من عمره، من مواليد القاهرة ويتمتع بشعبية كبيرة كونه مناصراً لإيديولوجية «الجماعة» على وسائل التواصل الاجتماعي ومدير شبكة “رصد” الإخبارية المشهورة بتأييدها لـ «الإخوان المسلمين». ولكنه اليوم، لم يعد يعمل انطلاقاً من القاهرة. ففي 5 تموز/يوليو 2013، أي بعد يومين على استجابة الجيش المصري للتظاهرات الحاشدة من خلال الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي المدعوم من «الإخوان»، حث قادة «الجماعة» فراج إلى الانتقال إلى اسطنبول، لكي يستطيع الإفلات من القمع الذي تمارسه الحكومة المصرية المناهضة لـ «الإخوان المسلمين» وإعادة إطلاق العمليات الإعلامية لـ «الجماعة» من المنفى. في غضون ذلك، وفيما فرّ العديد من عناصر «الإخوان» إلى تركيا خلال الأسابيع المضطربة التي أعقبت الإطاحة بمرسي، شكل «الإخوان المسلمون» لجنة في اسطنبول لإعادة توطينهم، آملين المحافظة على «الجماعة» إلى أن تتمكن من العودة إلى السلطة في مصر، وهو أمر قد وعدت أعضاءها أنه سيحصل في وقت قريب جداً.

ولكن مع مرور الأشهر وازدياد حدة القمع الذي تمارسه مصر بحق «الإخوان المسلمين» (قُتل على الأقل 2500 شخص وسُجن 16 ألف آخرون، كما صدر للتو حكم الإعدام بحق مرسي)، أدى نفاد الصبر في صفوف «الجماعة» بشأن وتيرة التقدم المُحرز إلى انقسام أعضاء «الإخوان» الشباب عن أعضاء «الجماعة» الكبار. فقد تمرد فراج وشباب آخرون منفيون تابعون لـ «الإخوان المسلمين» على قادة «الجماعة» الأكبر سناً، وألقوا اللوم عليهم على خلفية “سوء تحليل” الوضع السياسي الذي أدى إلى الإطاحة بمرسي ومن ثم سوء إدارة الفترة التي تلت حكمه. كما رفضوا دعوات قادتهم لخوض صراع طويل الأمد ضد حكومة مصر المدعومة من قبل الجيش. ودعوا إلى اتباع تكتيكات ثوروية وعنيفة لزعزعة الحكومة عاجلاً وليس آجلاً.

وقد فقد أيضاً قادة «الإخوان» السيطرة على أعضاء «الجماعة» الأصغر سناً داخل مصر أيضاً، الذين باشروا احتجاجات غير ظاهرة لتقويض الاقتصاد المصري وإسقاط النظام الحالي. وقال فراج في معرض مقابلة أجريت معه في تشرين الأول/أكتوبر 2014 في اسطنبول، رداً على سؤال عن أنشطة «الإخوان المسلمين» في مصر: “هناك أمور لا يُسمح لنا بالتحدث عنها، على غرار الأفعال المجهولة المصدر (المزعومة) التي يتطرق إليها الإعلام المصري، مثل قطع الطرقات وهدم أبراج الكهرباء”. وكانت هذه المرة الأولى التي يقر فيها أحد أعضاء «الجماعة» علناً مسؤولية «الإخوان المسلمين» عن الاعتداءات التي استهدفت شبكة الكهرباء في مصر.

بيد، اختفت هذه التصدعات ضمن جماعة «الإخوان» في الأشهر الأخيرة. فالجناح الثوري لـ «الإخوان المسلمين» الأصغر سناً والذي يمثله فراج فاز بالانتخابات الداخلية الأخيرة التي نظمتها «الجماعة» في شباط/فبراير؛ ويفيد أحد قادتها أحمد عبد الرحمن أن «الجماعة» قد استبدلت 65 في المائة من قادتها السابقين، و90 في المائة من القادة الجدد وهم من الجيل الشاب. كما أنشأت «الجماعة» “مكتباً لـ «الإخوان المسلمين» المصريين في الخارج” سيتولى الإدارة المركزية لعمل «الجماعة» في المنفى ويُعدّ لصراع أكثر شراسة ضد نظام الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يواصل قمعه العنيف لـ «الإخوان المسلمين». وفي إشارة إلى جماعة «الإخوان» وحلفائها داخل مصر، أفاد عبد الرحمن في معرض مقابلة أجراها مع قناة “الجزيرة” ما يلي: “لن نقبل بأي حل سياسي قبل تلبية مطالب الثوار على الأرض، وسنواصل ثورتنا حتى الانتصار”. وتجدر الإشارة إلى أن «الجماعة» غير مستعدة للتنازل عن أهدافها الرئيسية، مثل القضاء على حكومة السيسي. ويدعو تصريح «الإخوان» الأخير في أعقاب حكم الإعدام الذي صدر مؤخراً بحق مرسي إلى “الثورة لقطع الرؤوس عن الأجسام المتعفنة” وينادي بـ “إبادة الظالمين كافة”.

ويفترض موقف «الإخوان المسلمين» الثوري الجديد احتمالين. أولاً، من أجل تحقيق ثورتهم ضد حكومة السيسي، تتبنى «الجماعة» العنف بصراحة، وخاصة على حساباتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نشر الحزب السياسي التابع لـ «الإخوان» في شمال سيناء مؤخراً عبر موقع “فيسبوك” صوراً لأعمال قام بها، مثل قطع سكك الحديد من خلال حرق الإطارات والهجوم على محوّل كهربائي وحرقه. وتعهدت «الجماعة» بـ “مواصلة انتفاضتها ضد الانقلاب بكافة الوسائل”. وفي الوقت نفسه  تقريباً، نشر فرع القاهرة الجنوبي لـ «الإخوان» صورة لشاب يرمي قنبلة مولوتوف/زجاجة حارقة، وحضّ مناصريه على الاختيار بين “الموت في صفوف العبيد أو أن يصبح رجلاً من خلال الانضمام إلى الثوار”. وعممت فروع أخرى لـ «الإخوان المسلمين» في جميع أنحاء البلاد صوراً لشباب إسلاميين يحملون زجاجات حارقة ولطرقات ومراكز شرطة تم إضرام النار فيها. وفي حين كتب رفيق حبيب، الذي كان يشغل سابقاً منصب نائب رئيس “حزب الحرية والعدالة” – الذراع السياسي لـ «الإخوان المسلمين»، في مقالة نشرت مؤخراً، أن هذا العنف يستهدف “أدوات القمع”، أي البنى التحتية، عوضاً عن “حياة الأشخاص”، إلا أنه أفاد أن «الجماعة» قد دخلت حقبة جديدة وتنوي تصعيد أعمالها نحو القيام بالمزيد من أشكال العنف المتطرفة. 

ويقيناً، أن لجوء «الجماعة» إلى العنف ليس بجديد. فخلال رئاسة مرسي، استهدف «الإخوان المسلمون» بشكل متكرر متظاهرين مناهضين لمرسي وقاموا بتعذيبهم، وجمعوا أفراداً يأخذون على عاتقهم إنفاذ القانون من دون اللجوء إلى السلطات ويحملون العصي في موقع التظاهر الأساسي لـ «الجماعة» في شمال القاهرة، وذلك في الأيام التي سبقت الإطاحة بمرسي. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما اعتدى «الإخوان المسلمون» في الأشهر التي تلت ذلك، على سيارات الشرطة ومقرات الأجهزة الأمنية ومنازل ضباط الشرطة. ولكن في جميع تلك الحالات، حافظ «الإخوان» على مستوى من الإنكار القابل للتصديق: إذ زعموا أنه ليس لديهم سيطرة على الفروع “المناهضة للانقلاب” التي نظمت الاعتداءات، وأنكروا التصريحات التلفزيونية الداعمة لـ «الإخوان المسلمين» والتي وجهت تهديدات صريحة للأجانب في مصر، حتى أنهم ألغوا تصريحاً من موقعهم الإلكتروني يعود لشهر كانون الثاني/يناير 2015، دعا إلى “الجهاد” و”الشهادة”. وتمثلت أكثر خطوة مدهشة بنجاح استراتيجية «الإخوان» ذات الوجهين: إذ على الرغم من تزايد الأدلة على أنشطة «الجماعة» العنيفة، نوهت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بالتزام «الإخوان» الشفهي باللاعنف، وبالتالي، واصلت تعاطيها الدبلوماسي مع مسؤوليهم.

أما الاحتمال الثاني فيما يتعلق بانعطافة «الإخوان المسلمين» نحو العنف، فهو أنها قد تتحالف مع حركات ثورية أخرى ضد حكومة السيسي. وصرح محمد جابر، أحد قادة «الإخوان»، لشبكة ميكاميلين المناصرة لـ «الإخوان المسلمين» والتي تتخذ اسطنبول مقراً لها، أن «الجماعة» “تسعى إلى الاستفادة من كافة الخبرات سواء داخل «الجماعة» أو خارجها، في سبيل تحقيق أهدافها في المرحلة الراهنة” وهي تسعى إلى “اصطفاف ثوري كامل” مع جميع القوى السياسية التي تطمح إلى إنهاء الحكم العسكري في مصر.

وعلى الرغم من أن «الإخوان المسلمين» هم طلائع مشهورة بعزلتها وبعدم ثقتها بالغرباء، تعكس دعوتهم المفاجئة إلى التعاون على نطاق واسع ضد نظام السيسي تراجع مكانتهم داخل مصر. ويعزى ذلك جزئياً إلى الطبيعة الكاسحة للقمع الذي تمارسه حكومة السيسي بحق «الجماعة»، ولكنه ينتج أيضاً عن تراجع شعبية «الإخوان المسلمين» بفعل إخفاقاتهم في الحكومة. فوفقاً لتقديرات «الإخوان المسلمين»، تحصل 70 في المائة من الأنشطة المناهضة للنظام في مصر من دون مشاركتهم، وتخشى «الجماعة» على ما يبدو تداعي نفوذها حتى لدى المصريين المعارضين للحكومة الحالية. ويحاول «الإخوان المسلمون» أيضاً استعادة السيطرة على كوادرهم على الأرض، والذين فقد الكثير منهم الاتصال مع قادتهم المسجونين وانضموا إلى حركات معارضة من غير «الإخوان». وبدورها، تقوم صفحات «الإخوان المسلمين» على مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج بشكل نشط لجماعات على غرار “المقاومة الشعبية” و”طلاب ضد الانقلاب”، اللتين تضمان في صفوفهما ثواراً يدعون للفوضى من أقصى اليسار وصولاً إلى إسلاميين لا ينتمون إلى «الإخوان المسلمين»، واللتين غالباً ما تشتبكان مع قوات الأمن.

وفي الوقت نفسه، يعمل “مكتب «الإخوان المسلمين» المصريين في الخارج” على تعزيز علاقات «الجماعة» مع معارضين منفيين آخرين. وبالتالي، شغل قادة بارزون في «الإخوان المسلمين» مناصب رسمية ضمن “المجلس الثوري المصري”، وهو تحالف جماعات تعارض الإطاحة بمرسي. وقد انتخب “المجلس” مؤخراً عضوين لا ينتميان إلى «الإخوان المسلمين»، وهما الزميلة السابقة في “المعهد الملكي للشؤون الدولية” – “تشاتام هاوس” مها عزام، والقاضي السابق وليد شرابي، كرئيسة المجلس ونائب الرئيس تباعاً. وفي الأسابيع الماضية، أرسل “المجلس الثوري المصري” وفداً إلى آسيا، حيث حثّ على ما يبدو “رابطة أمم جنوب شرق آسيا” على مقاطعة مصر وطالب ماليزيا باستخدام مقعدها في مجلس الأمن الدولي للضغط على القاهرة. من هنا، يوفر “المجلس الثوري المصري “مظلة واسعة تمكّن «الإخوان المسلمين» من مواصلة جهودهم الدولية السابقة الرامية إلى ممارسة الضغط على حكومة السيسي.

قد ينجح قادة «الإخوان» الشباب والطرق الثورية التي يتبنونها في إعادة دمج كوادرهم الشابة، التي تعتبر العنف “المناهض للانقلاب” شرعياً وترى أنه لا بد لـ «الإخوان المسلمين» من العمل مع حركات معارِضة أخرى في هذا الاتجاه. إلا أن ذلك لن يساعد «الإخوان» على تحقيق هدفهم النهائي ألا وهو استعادة السلطة في مصر. ففي نهاية المطاف، ينظر الكثير من المصريين إلى «الإخوان المسلمين» على أنهم منظمة إرهابية نظراً للاعتداءات العنيفة التي يشنونها على المتظاهرين والتهديدات التي كانوا يوجهونها إلى شخصيات إعلامية في عهد مرسي. لذلك، فإن تبني «الإخوان المسلمين» الصريح للعنف ودخولهم في شراكة مع حركات متطرفة أخرى سيبعد عنهم الجمهور المصري الأوسع ويعزز أيضاً الدعم الشعبي للسيسي. وبعبارة أخرى، يتخذ فراج وزملاؤه الشباب خطوات تصعيدية لتأجيج نزاع من غير المرجح أن يتغلبون فيه.

 

إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن، التي تعمل فيه مارينا شلبي مساعدة باحثة. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على موقع “فورين آفيرز”.

 

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.