العراق والنأي عن الصراعات الاقليمية

 

باسم حسين الزيدي / شبكة النبأ للمعلوماتية /ركز الاعلام العربي على الموقف الرسمي لجمهورية العراق الذي نأى بنفسه عن الدخول كطرف في التنافس الاقليمي فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، اضافة الى فكرة تشكيل “قوة عربية مشتركة”، على الرغم من اعتراض دول عربية اخرى على بعض مشاريع ومقررات القمة العربية الاخيرة التي عقدت في “شرم الشيخ” بمصر، ويأتي هذا التركيز بسبب حساسية الموقف العراقي من عدة جهات:

– العراق يحاول تجنيب البلاد صراع اقليمي بالنيابة بين الاطراف المتصارعة وسط اتهامات بسيطرة ايران على الملف العراقي مقابل خسارة السعودية لنفوذها داخل العراق.

– الازمة اليمنية اقتربت كثيرا من الصراع السني- الشيعي، والعراق اخر بلد في العالم يحتاج الى ان يكون جزء من ازمات طائفية خارج البلد قد تشعل الخلافات الطائفية داخليا من جديد.

– التوجهات الخارجية الفاعلة للعراق في الآونة الاخيرة، لمحاولة بناء علاقات ودية وبناءة مع دول الجوار والمحيط العربي والاقليمي والدولي، بعد ان كان التوتر والفتور يحكم اغلب هذه العلاقات (وبالأخص دول الجوار) خلال الفترة القليلة الماضية.

– المصالح المشتركة للعراق مع الاطراف المتخاصمة بشأن اليمن، ربما تحتم على العراق اختيار الوسطية والاعتدال حتى لا يحسب على جهة دون اخرى، او خسارة طرف على حساب ربح الاخر.

– صوت العراق جاء متناغما مع الدعوات الدولية بضرورة البحث عن حلول سياسية للمشاكل الشرق اوسطية وتجنب الحلول العسكرية في سوريا وليبيا واليمن، وهي نقطة تحسب لصالح السياسية الخارجية للعراق الذي يحتاج الى تواصل الدعم الدولي له في مكافحة الارهاب.

بعد عام 2003 جرب العراق التصلب في بعض المواقف السياسية على مستوى دول الجوار والاقليم وحتى بعلاقته مع الغرب، وجاءت النتائج عكسية وفي بعض الاحيان كارثية، وهو يحاول اليوم استخدام المزيد من الذكاء السياسي والبراغماتية والمناورة في تحصيل المكاسب باقل الخسائر الممكنة، لسبب بسيط وهو ان العراق غير قادر حتى اللحظة على استعادة كامل عافيته وقدرته على مسك زمام المبادرة بعد ان انهكته الحروب والاحتلال والارهاب والحرب الداخلية، ناهيك عن المشاكل الداخلية (التي نخشى ان تتحول الى امراض مزمنة في جسد المجتمع العراقي) المتعلقة بالفساد والخلافات السياسية والتوتر الطائفي…الخ، وكل هذا يعني ان على العراق المحافظة على علاقات طيبة (او على الاقل غير متوترة) مع الجميع حتى لا تضاف اليه اعباء ومشاكل جديدة قد تزيد من حجم المعاناة التي يتحملها.

الموازنة بين ايران والسعودية

عندما تلاحظ خارطة العراق تجد انه الفيصل بين دولتين كبيرتين ومتنافستين في الشرق الاوسط، ايران من الشرق (بحدود تبلغ 1458 كم) والسعودية من الجنوب (بحدود تبلغ 814 كم) ، ويبدو ان قدر العراق ان يوازن بين طموح الطرفين وان لا يحسب على جهة دون الاخرى، سيما وان التنافس بين ايران والسعودية قد ارتفعت وتيرته بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، مع سعي كل طرف منهما للحصول على مكاسب سياسية قد تزيد من نفوذه داخل منطقة الشرق الاوسط، قد تحتاج اليه ايران لإكمال ملفها النووي الشائك مع الغرب وطي صفحة الخلافات مع الولايات المتحدة الامريكية، والخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها منذ سنين، بالمقابل فان السعودية تسير بالاتجاه ذاته الذي تسعى اليه ايران وان اختلفت تكتيكات الطرفين، فهي (السعودية) تحتاج الى اعادة زخمها في المنطقة بعد جملة من الاخفاقات التي عانت منها في سوريا ولبنان والعراق واليمن، فضلا عن توتر علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية على خلفية المفاوضات النووية والتعاون الامريكي-الايراني في العراق بمكافحة تنظيم “داعش”، وهو دور وصفه كبار القادة العسكريين والمسؤولين في الادارة الامريكية “بالإيجابي”، الامر الذي دق ناقوس الخطر لدى الحكام السعوديين بعد ان اعتبروا الامر تحيزا غير مسبوق من قبل شريك استراتيجي للملكة باتجاه ايران، المنافس الاقوى لدور السعودية في المنطقة.

العراق لاعب مهم

الموقف الاخير للعراق في القمة العربية فسر من قبل الكثيرين على انه “تغريد خارج السرب”، ويمكن ان يتحول هذا التفسير الى حقيقة في حال لم تتبع هذا الموقف تحركات ايجابية تثبت حسن النية والسعي الى لعب العراق دور مهم في تخفيف الاحتقان والمشاركة بصورة فاعلة في حلحلة الاوضاع الخلافية عربيا واقليميا، فالجمود في التحركات الدبلوماسية العراقية بعد اعلان موقف التحفظ في المشاركة في شؤون الدول العربية الداخلية (او تشكيل قوة عربية مشتركة) قد يعطي انطباعا خاطئا عن دور العراق وسط بيئته العربية، كما يسلب من العراق فرصة حقيقية في لعب ادوار دبلوماسية اكثر تأثيرا وعمقا في عدة ملفات حساسة تعطي للعراق افضلية في التحرك العربي والاقليمي وتعزز الثقة السياسية والدبلوماسية بالأدوار المستقبلية التي يستطيع المفاوض العراقي والخارجية العراقية لعبها في ادارة الازمات الكبيرة في الشرق الاوسط

 

http://annabaa.org/news1565

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.