الغاية تبرر الوسيلة…

نعم .. الغاية تبرر الوسيلة 

الكاتب علي سالم علي سالم

أفكر في أصول الحكم بما هو عمل درامي كبير. أي أنه بشكل ما داخل في عناصر مهنتي. ولكن اهتمامي بالحكم وأصوله يتوقف عند حدود هذا الاهتمام فقط. فلم يحدث قط أن شعرت بميل إلى الاقتراب من دوائر الحكم أو السياسة بوجه عام، فلديّ من مهنتي ما يشغلني ويشبعني ويشعرني بالامتلاء.
الحكم صنعة وموهبة. صنعة تقويها قراءة التاريخ وهضم صفحاته، وموهبة تصقلها الممارسة داخل دائرة الحكم أو خارجها. والتاريخ ليس أفعالا فقط أو سيرا ذاتية لأباطرة وملوك وزعماء، بل هو سجل للتفكير الإنساني، وقد تحول لسطور هادية ترشدنا إلى المستقبل. هذا السجل أتاح لنا الالتقاء بمفكري الدولة وأصول الحكم. هم كثيرون، غير أني أشعر بتقدير خاص لميكيافيللي، وأعتبره أعظم من أنجبت الدنيا من رجال الدولة. وهو مفكر سيئ السمعة كما تعرف، دائما يذكر المثقفون اسمه وهم يقلبون شفاههم باحتقار. وعندما يصفون أفكارا وضيعة يقولون عنها إنها «أفكار ميكيافيللية»، يقصدون بذلك تلك الجملة الشهيرة التي تقول «إن الغاية تبرر الواسطة»، ناسين أن الغاية التي عمل وعاش من أجلها كانت وحدة إيطاليا التي كانت في ذلك الوقت مكونة من إمارات متناحرة. والسؤال الآن هو: إذا كانت الغاية هي توحيد العراق وإعادة الوحدة لشعبه، وتوحيد سوريا وإعادة الوحدة لشعبها، وتوحيد ليبيا وإعادة الوحدة لشعبها.. ألا تكون أي وسيلة لتحقيق ذلك مبررة؟ تعالوا نعكس الصورة ونسأل إذا كانت وحدة السعودية والسعوديين مهددة، وإذا كانت وحدة مصر والشعب المصري مهددة، ألا تكون أي وسيلة لمنع ذلك مبررة؟
جلسات المثقفين في مصر الآن يطرح فيها سؤال مهم للغاية: كيف نبدأ؟
وتبدأ الإجابات في الانهمار وكأنها مياه طال احتباسها خلف سد كبير. غير أنك ستلاحظ أن معظم الإجابات ليست عملية وربما كانت أقرب إلى الفانتازيا.. ومنها على سبيل المثال: لا بد أن نعلم الناس الأخلاق. أنا شخصيا لديّ الكثير من الأدلة على أن معلمي الأخلاق في كل مراحل التاريخ كانوا يمارسون عملهم بدافع من انعدام الأخلاق والشر وكراهية البشر.
لا أعتقد أنه توجد على الأرض طريقة لتعليم الناس الأخلاق، ولكن هناك ألف طريقة لإرغامهم على التصرف بشكل أخلاقي. أنا أعتقد أن نقطة البداية الحقيقية في مصر سنجدها عند ميكيافيللي في كتابه «الأمير»: «احذر من أن يُظلم أحد ولا تنتصف له».
آه.. والله.. لو خطر لرجال الحكم في مصر على سبيل الفكاهة والتغيير أن يسألوني ماذا يفعلون، لقلت لهم: ليس المطلوب منكم فعل شيء.. الناس سيفعلون كل شيء.. ساعدوهم.. أبعدوا عنهم الأشرار من أبالسة الحكومة.. أما أنتم فمكلفون بشيء واحد هو رفع الظلم عن أي مظلوم في أي مكان.. احذروا أن يظلم أحد ولا تنتصفوا له.. طبعا ستواجهون عددا كبيرا من النصابين، لا بأس هذه هي طبيعة العمل العام وضريبته، وأرجوكم أرجوكم أرجوكم.. افعلوا ذلك بغير أن تنشروا حرفا واحدا عن ذلك في الجرائد أو التلفزيون.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.