فم مفتوح … فم مغلق / عراق بلا صحف
شجرة اخرى في بستان الصحافة العراقية تموت ، ونحن على ضفاف الاحتفال بعيدها السنوي ، بسبب اهمال البستاني ، ممثلاً بالدولة التي جعلت الصحف تتأرجح في اتون اللامبالاة وعدم الرعاية ، حيث اخذت تعامل الصحف كعدو لها، وليس كشريك في البناء وتأصيل الديمقراطية .
الزميلة صحيفة (البيان) ودعت قراءها مؤخراً ، بصمت ، وآثرت الانسحاب حين ادركت ان مناشداتها تحفر في هواء فاسد، وتذهت ادراج الرياح … ويبدو ان (البيان) كانت البداية، وبعد ذلك ستكر “مسبحة” وأد مجموعة اخرى من الصحف والمجلات ، في اجواء صمت رهيب من الدولة ، بل اجد انها مرحبة بتقليص اصوات الصحافة ، دراً لوجع الرأس الذي تسببه اصوات الحق من كتاب المقالات والتعليقات والتحقيقات الصحفية .
المرحلة القادمة، ستشهد وجود اعداد وفيرة من الصحفيين بلا عمل، في وقت تضخ فيه كلياتنا وجامعاتنا الرسمية والاهلية، مئات من الخريجين بإختصاصات اعلامية متنوعة … معادلة تبعث على الأسى!
اتساءل مع نفسي عن مبررات عدم اهتمام المسؤولين عن الثقافة والاعلام في رئاستي مجلس الوزراء والنواب ، بقطاع الصحافة ، ولاسيما الصحف الرصينة، وهو القطاع الأهم في دول العالم المتحضر ، فالصحافة هي جسر البناء والحرية الذي تمشي عليه المجتمعات بيسر وانسيابية … لم اجد جوابا مقنعا ، اللهم إلا انها عقوبة للصحافة لأنها سلكت الطريق الصواب في محاربة المفسدين والفاسدين، وأشرت نقاط الضعف في رؤية المسؤولين في ادارة بلد شاسع المدى ، عميق التاريخ مثل العراق .
لقد فات (من يتولى أمرنا !) حقيقة يعرفها حتى مبتدئو السياسة ان للصحافة مدى واسع التأثير على تشكيل البناء الادراكي والمعرفي للفرد والمجتمع ، ويساهم هذا البناء في تشكيل رؤية الفرد والمجتمع تجاه قضايا مجتمعه والقدرة على تحليلها واستيعابها لاتخاذ السلوك المناسب حولها .
عار على بلد لا يديم صلته مع صحافته ، فالصحفيون عيون ثاقبة وآذان سليمة السمع ، لكل احوال المجتمع ، وهم مرأة لا تقبل الخطأ في عكس الصورة ..ولا يمكن بناء الديموقراطية دون صحافة قوية ومستقلة ذات صدقية. .. فهل ادرك من بيدهم الامر هذه الحقيقة ؟
لا أعتقد ، ففي آذانهم صمم مقيت … ومريب !
ان استقراءاً سريعاً لواقع الصحافة العراقية اليوم ، يبين ببساطة ان الأغلبية الساحقة من المؤسسات الصحفية على أبواب الإفلاس ومعرضة للغلق ، دون وجود بارقة أمل في اتخاذ خطوات سريعة لإنقاذها ،
اقترح القيام بعقد ندوات دراسية ، لمناقشة واقع حال الصحف العراقية ، قبل ان ننهض صباحا ، فلا نجد سوى صحيفتين او ثلاث ، ترضع من ثدي الدولة…. فقط !