تفكيك الشيفرة في مقتل بريغوجين.. بقلم ضياء الوكيل*

انتهت لجنة التحقيق الروسية الى تأكيد مقتل( قائد فاغنر ونائبه وثمانية آخرين) في حادث تحطم طائرتهم فوق ضواحي موسكو، دفع بريغوجين ثمن تهورهِ، وجموحَ أفكارهِ، وطموحاته الملتبسة، لم يدرك أن قوانين السياسة والسلطة تختلف عن قوانين المال والسلاح ومهنة القتال، تسلّق سريعا وتربّع على قمّة الأحداث الساخنة، وخاصة في الحرب الأوكرانية، حقق الكثير من المنجزات العسكرية لبلاده، لكنّه إنصاع لمغريات القوّة والأضواء، واشتطّ به الخيال نحو قباب الكرملين، وعرش القياصرة، وتحدّى قادة المؤسسة العسكرية وخرج على تقاليدها الصارمة، نام على وسادة الأوهام، ولم يصحو على مرارة الحقائق، بل لعب على حبال المجازفة، ومشى على حافّة الوتر المشدود، لم يحترس مما يحاك في الخفاء، وتجاهل الحكمة وتقدير المخاطر، والحذر، لم يقتلوه ولكنه قتل نفسه بيديه، نصب مشنقته وصعد اليها، لا يمكن اتهام بوتين بقتله دون دليل، ولا تبرئة بايدن وجوقته في الغرب من التخطيط لاغتياله، فقائد فاغنر المغدور جعل من نفسه هدفا لأكثر من طرف دولي إضافة لأعداء الداخل، أراد اللعب مع الكبار بأوهام القوّة، ودماء الضحايا، وأوراق المناجم، والذهب، والمرتزقة، وحماية الطغاة، أساء تقدير الموقف، ولم يقدر حجمه ومكانه وزمانه، فكان صعوده سريعا، وسقوطه مدويا، حتى أن من قتله أراد أن يكون مشهد القتل موثقا، ومنقولا عبر البث المباشر، من لحظة سقوط الطائرة، وحتّى دخولها مستوى النظر، وصولا الى اصطدامها بالأرض وتصاعد ألسنة النيران واحتراقها بمن فيها، وكان التصوير احترافيا ومن أكثر من زاوية مع التركيز على منظر الحريق الذي التهم الجثث والحديد في منظر مُرَوِّع، وذلك التسجيل والتصوير لم يكن مصادفة قدرية أو عفوية.. لا في التوقيت ولا في الموقع، فالصدفة ليست من أعمال العقل كما تقول الحكمة، والآن وبعد أن أصبح (بريغوجين) شيئا من التاريخ، لا بد من استنباط حقيقة مهمة من هذا الحدث وهي.. أنّ خطيئة القوّة وأوهامها تميل نحو التوسع وتشجّع أصحابها على المغامرة وذلك يضعها في مواجهة مع حركة التاريخ التي توقظ في بيئتها عوامل انحسارها وهدمها وانهيارها، المشكلة ليست في القوّة بحدّ ذاتها إنّما في العقلية التي تديرها، إن كانت حكيمة أو متهورة أو مستبدة، ووفق هذا القياس تأتي النتائج..

*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع والعمليات

شاهد أيضاً

تحوّل القوّة.. بقلم ضياء الوكيل*(تحليل)

هل اقتنعت ايران أن الصعود الإستراتيجي في المنطقة يعتمد على شرط أساسي وهو(تحوّل القوّة) أو الإنتقال الى مرحلة التحدّي والصدام المباشر، وتغيير أنماط الصراع، وقواعد اللعبة؟ هل يزيد ذلك من المخاوف في وقوع حرب وقائية؟ أم أن الأمر يحتاج الى المزيد من المراقبة للوضع، وتقييم للخطوة التالية..!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.