Dead Angles..بقلم ضياء الوكيل*(تحليل)

الأهم من قرار عودة العلاقات الدبلوماسية بين (السعودية وإيران) هو ذلك الإخراج السياسي والإعلامي شبه المسرحي للخبر والذي اتخذ من العاصمة الصينية منصة لإعلانه، في حين أن استحقاق الحدث لا يتجاوز إصدار بيانٍ سياسي مقتضب في كلا العاصمتين يعلن استئناف العلاقات بينهما، وذلك لا ينفي أنه تطور سياسي إيجابي، ويمكن البناء عليه إذا ما نجح في اختبار النوايا وتمكن من إعادة بناء الثقة المفقودة بين دول المنطقة، أمّا الإخراج الإحتفالي الضخم الذي رافق الإعلان فهو استعارة لنماذج هوليودية تتقن الصين تقليدها، لكنه لن يغير من حجم الحدث شيئا رغم محاولات تضخيمه والنفخ فيه خلافا لقوانين التاريخ وحقائق الجغرافية، فتأثيره لا يتعدى مصالح الدولتين وهو لم  ولن يوقف حركة التاريخ والصراعات ومسار الأحداث في المنطقة، وهذا لا ينفي أن لكل من (طهران والرياض وبيجين) أهداف ومقاصد ورسائل سياسية حملها ذلك العرض المثير، ومن المؤكد أن العواصم المعنية بهذه المقاصد قد تابعت الموضوع واستلمت الرسالة، وقرأت ما فيها وما خلفها، وبما أنّ لكل خبر أو حدث صورتان.. فما تابعه العالم هو الصورة التي أرادها أصحاب المصلحة أن تظهر بهذا الشكل الملفت، والوجه الآخر لها أو ما يسمى (الحقيقة السياسية) فيشير إلى أن واشنطن لم تكن غائبة عمّا يجري في عواصم الخليج والصين، ومن المرجح أنها أحيطت علما بالقرار وترتيبات إعلانه، وربما تعرف حدوده وحجمه وتأثيره ونواياه، فالصين تتفادى أي قراءة خاطئة للأحداث، ولا تريد استفزاز واشنطن أو رفع منسوب التصعيد معها، وسياستها مبنية على تحاشي الصدام مع أمريكا، في حين تحرص السعودية على طمأنة الأمريكان بأن سياسة الانفتاح التي تنتهجها لن تؤثر على علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، أمّا إيران فأن سياسة شدّ الحبال وعض الأصابع والمناورة هي الصفة السائدة في علاقتها مع واشنطن، وفي كل الأحوال فأن التهدئة وخفض التصعيد والتوتر في المنطقة هو مطلب أمريكي في هذه المرحلة تستدعيه ضرورات الحرب في أوكرانيا والأزمات التي تعصف بالعالم، والخلاصة أن الظاهر خلاف الغاطس، وأن الماكنة الإعلامية التي روجت للحدث وكأنه فتح سياسي جديد ليس أكثر من دعاية أو تكهنات إذا افترضنا حسن النوايا، وأخيرا فأن (السعودية وايران) تجاهلت الجهود العراقية التي انضجت هذا الاتفاق،إن لم نقل أنها استهانت بالدور العراقي والدليل أنها لم توجه الدعوة لوفد عراقي يشارك في احتفالية الإعلان،وهذه الإستدارة السياسية تطرح سؤالا مهما يحتاج الى إجابة وتفسير وهو: هل كان الدور العراقي في الوساطة بين(إيران والسعودية) مرتبط باستراتيجيات تخدم مصلحة العراق، أم أنه تكليف فردي أو شخصي على طريقة (ساعي البريد )خارج احداثيات المجال الوطني، وكيف ذلك والوسطاء يشغلون مناصب رسمية عليا ويتحدثون باسم العراق؟ وأين المستوى السياسي والجهاز الدبلوماسي من هذه التطورات؟ هذا درس في السياسة يحتاج الى رصد وتحليل وتوضيح واستنباط العبر، أما الوجه الآخر له فهو الجانب الأخلاقي والاعتباري والوطني مما حدث، فلا يمكن تفسير ما قامت به (إيران والسعودية) إلا بالجحود وانكار لجهود العراق في هذا الملف، والجحود في قواميس اللغة ومعجم المعاني هو (إنكار الحقّ على أصحابه مع العلم به) وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ} (النمل/ 14)، وأوصى الرسول الكريم(ص) أمته الى الإعتراف بالجميل، وقال في حديث مسند صحيح، وهذا بعضٌ منه(مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر)،(والجحود من شيمة اللئام) كما يقول الإمام علي(ع)، والعرب تقول (وما جاء جاحدٌ بخيرٍ قط)، وذلك ليس غريبا على من يعتمد الميكافيلية في نهجه وسياسته، وتلك سياسة منزوعة الأخلاق والقيم، وليس لأصحابها عهد ولا ذمة..

*مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة والدفاع والعمليات

شاهد أيضاً

قراءة (تحليلية) للوضع في المنطقة.. بقلم ضياء الوكيل*

على الرغم من ارتفاع مستوى التوتر والقلق في الشرق الأوسط، وانعكاس ذلك على أسعار النفط والتأمين والأسواق، إلا أن ذلك لا يعني أن الحرب وشيكة في المنطقة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.