مغيّرون في التاريخ: أبو ألمانيا الحديثة.. بقلم سمير عطا الله*

بعد ثلاثين عاماً من هتلر جاء كونراد أديناور. وبعد عقود من العداء الفرنسي – الألماني، كان كونراد أديناور الرجل الذي وقّع أول معاهدة صلح بين البلدين. وبعدما حولت الحرب العالمية الثانية ألمانيا إلى رماد، كان كونراد أديناور الرجل الذي جعل ألمانيا الغربية ذات الاقتصاد الثاني، والاحتياط الثاني في العالم بعد أميركا.
ومع ذلك لم يدخل كونراد أديناور عالم السياسة إلا وهو في الثانية والسبعين من العمر، لكنه ظل مستشاراً حتى السابعة والثمانين. ولذا عرفه الألمان باللقب التحببي «ويل آلتي» أو «العجوز». ويقول صحافي أميركي قابله حين كان في الرابعة والثمانين إن أديناور كان في عافية رجل في الخامسة والخمسين.
ولد أديناور في عام 1876. أي حين كانت الملكة فيكتوريا في منتصف عهدها، وكان القيصر نيقولا الثاني يحكم روسيا، ومع ذلك بقي يحكم ألمانيا بكامل قواه حتى أكتوبر (تشرين الأول) 1963. كان عجوز الراين من عائلة متوسطة الحال، وكان جده خبازاً، وكان متعصباً لبلاد الراين، لا يحب بروسيا وألمانيا الشرقية. وتقول الدعابة إنه كان كلما استقل القطار إلى برلين يقول: «ها نحن في الطريق إلى آسيا».

درس أديناور الحقوق وانضم إلى السلك الوظيفي في كولونيا التي أصبح رئيس بلديتها في عام 1917 طوال 16 عاماً إلى أن جاء النازيون الذين حبسوه مرتين. وقد تجنب الحكمَ النازي بالانصراف إلى تربية الزهور في حديقته قرب بون، متزوج مرتين وكان له 21 حفيداً.

عندما وصل الأميركيون إلى كولونيا في عام 1945 أعادوه إلى منصبه وهو في التاسعة والستين. وفي عام 1949 انتخب مستشاراً. ومن غرائب الأمور أنه كان جاهلاً في أمور الاقتصاد، لكنه أوكل المهمة إلى لودفيغ إرهارد الذي سُمي: «أبو المعجزة الاقتصادية» في ألمانيا. كذلك كان متصلباً في الإدارة، لكنه الرجل الذي نقل ألمانيا من سنوات النازي إلى الحياة البرلمانية، وأنقذها من سنوات الهزيمة ووضعها على خريطة العالم من جديد.

وكانت لأديناور أيضاً أشياؤه الصغيرة. فقد حاول بكل قواه ألا يخلفه لودفيغ إرهارد في المستشارية، لكنه أخفق. وكان إرهارد يومها في السابعة والستين، أي أصغر بعشرين عاماً من «ويل آلتي»، الذي توفي عن 91 عاماً في عام 1967.

*كاتب وصحافيّ لبناني، عمل في كل من صحيفة النهار ومجلتي الاسبوع العربي والصياد اللبنانية وصحيفة الأنباء الكويتية.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.