مَنْ سيبدأُ في الحِسابْ.. بقلم ضياء الوكيل

يروى عن نابليون بعد نفيهِ إلى جزيرة (القديسة سانت هيلينا) أنه قال ( لا أحدٌ سواي مسؤول عن هزيمتي، لقد كنتُ أعظم عدوٍ لنفسي..!!) لماذا: لأنه أصيب بالغرور القاتل، ولم يكن يستمع لمشورة أحد، لم يسمع غير صدى صوته، والأهم أنه لم يحاسب نفسه عن أخطائه، وهنا يطرح السؤال التالي.. ما المطلوب من نابليون..؟؟ أن يمسك سجلا ويدون فيه أخطاءه..!! الجواب نعم، ولم لا..؟؟ وقد سبقه إلى ذلك العديد من الرجال العظام ومن بينهم على سبيل المثال ( بنيامين فرانكلين)*، وهذا القياس ينطبق على الجميع، والعلماء ينصحون الإنسان أن يسجل ما يصدر عنه من أخطاء، ويعود إليها للمراجعة والتصويب والتصحيح، وفي هذا السياق يقول(ديل كارنيجي)* كنت أدوّن وأحصي السيئات في كلّ يوم، وأحتفظ في مكتبي بملف خاص مكتوب عليه (حماقات ارتكبتها)..!! أمّا الحماقات المخجلة فأسجلها في ذاكرتي، ويضيف كنت أحاسب نفسي وأصلح ما أستطيع وذلك منحني قدرة على مواجهة أقسى الظروف وأصعب المشاكل، ولعل( بنيامين فرانكلين) كان أقسى على نفسه من (كارنيجي) في مواجهة الأخطاء، فكان يحاكم نفسه بقسوة كل مساء لإصلاح أخطائه، بعد أن رسخ في ذهنه أنه إن لم يتخلص من الأخطاء ويصلح حاله فلن يتقدم في الحياة قيد شعرة، وهكذا غدا من أعظم رجال أمريكا، أمّا الإسلام فأنه يحث على محاسبة المرءِ لنفسه، وينصحه بأن لا يتبع هواه، وأن يبتعد عن النفاق والكذب والفساد، وأن يتذكّر أنّ لله حفظة يدونون كل شيء، ويعدون قوائم بحساب طويل.. (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)*، والحقيقة أن ترويض النفس على الصبر والخير، وفطامها عن الضلال والفساد والطمع، يحتاج إلى حساب ومراجعة مستمرة، وهنا نطرح السؤال الآتي: ماذا لو بادر السياسيون وأصحاب المناصب في العراق إلى فتح سجلات شخصية يدوّنون فيها أخطاءهم وما استنبطوه من دروسٍ وعِبَرْ من الزلزال والخراب الذي ضرب العراق والمنطقة، ومن ثم يسعون بصدق إلى إصلاح أنفسهم ومعالجة أخطاءهم وخطاياهم وإيقاف الإنحدار المريع، والحكمة تقول ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبُوا، وزِنوا أعمالَكُم قبل أن توزن عليكم)، هل ذلك ممكن في العراق..؟؟ هل سينتصر أصحاب المصالح السياسية على العدو الكامن في نفوسهم..؟؟ هل سيحيلون (وصفات وصفحات الحقبة الماضية) إلى التقاعد..؟؟ أم سيواصلون الإبحار في المياه المفخخة..؟؟ الجواب لديهم بالتأكيد، وذلك ما ستسفر عنه الفترة القادمة بعد أن تم تشكيل حكومة السيد الكاظمي التي ندعو لها بالنجاح في مهامها الصعبة، ولكن إذا أصرّ البعض على ذات النهج الفاشل، والرهان الخاسر، ووضعوا العصي في الدواليب، فأنّ ذلك سيمدد المعاناة، ويزيد من الإضطراب والإحتقان والفوضى، ويتيح الفرصة لداعش وأشباهها لتطل برأسها من جديد، وذلك يعني المزيد من الحروب والعنف والدماء، والتي ستحوّل البلد إلى دولة فاشلة تنوء بأعباء الفقر والبطالة والفساد والتخلف، وستدفع بالعراق إلى الرقود في متاحف التاريخ..

*الكهف/49

*بنيامين فرانكلين/أحد أهم الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية

*ديل كارنيجي/ مؤلف أمريكي ومؤسس مركز كارنيجي للعلاقات الإنسانية

شاهد أيضاً

ديوان بغداد.. بقلم ضياء الوكيل*

الحوار حضارة ورقي وثقافة، ودليل وعي وتفاؤل واستقرار..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.