طاحونة المال، وخبز السياسة..بقلم ضياء الوكيل*

أذهلني مقدار البذخ والإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية من قبل عدد لا يستهان به من المرشحين، هذا الانفاق جعل من المنافسة الانتخابية عملية غير متكافئة.. يتقدم فيها أصحاب المال والنفوذ على من سواهم من المرشحين، وهذا المشهد المرتبك يثير تساؤلات مشروعة: من أين لهؤلاء كل هذه الأموال؟؟ ما هي مصادر التمويل؟ هل هي داخلية أم خارجية؟ فهذا الإنفاق غير المسبوق حوّل الانتخابات الى ما يشبه السوق، والكثير من الأصوات صارت بضاعة، ويشتري من يملك أكثر، وبما أن معيار القيمة لرأس المال هو الربح، ولا شيء غيره من أثقال الأخلاق وشعارات السياسة وأعباء العهود وأساطير الدعاية، فنحن أمام صورة متناقضة ومشوهة لا تعبر عن جوهر الديمقراطية، فطاحونة المال التي تطحن كل شيء، صار الطحين فيها لخبز السياسة، والماسكين بسلطتها، ومفاتيح القرار فيها، أما الحالمين بالعدالة الاجتماعية والحرية وتحقيق الكرامة الإنسانية فخبزهم مخلوط بحصى الوعود، ورمال الخداع والفساد، والقرينة الثابتة في اختبارات الزمن وأحكام التاريخ أنّ المال إذا تقدم الصفوف تتراجع المباديء، وعندما تكون السلطة هي الغاية والبرنامج والهدف تسقط الشعارات والوعود في حضيض الكذب والتضليل والتحايل السياسي، والشواهد كثيرة، وما وصلت اليه العملية السياسية هو تكريس للاقطاع السياسي والمالي، والانتخابات صارت مفاضلة بين سلع متشابهة، وفي ظل هذا الوضع يصبح التغيير والإصلاح ضربا من الخيال والأمنيات وأحلام اليقظة، واقع الحال أمامنا شاهدٌ لا يكذب، وهذا الكلام موجّه الى الذين يملكون الجرأة والشجاعة والنوايا الوطنية السليمة وهم كثيرون، لمراجعة ما يجري.. وأنفسهم..

*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع وقيادة العمليات

شاهد أيضاً

تجارةٌ مع الله..بقلم ضياء الوكيل*

تسعة أعشار الحكمة أن تكون حكيما في الوقت المناسب، فالحكمة أم الأمور جميعا،(وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا)..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.