احتمالات اندلاع حرب بالوكالة في العراق مجدداً… بقلم بيشا ماجد*

إن الغارة الجوية التي نفذتها طائرة مسيرة يوم الأحد ما أسفر عن مقتل عضوين من قوات الحشد الشعبي العراقية، وتلميح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن بلاده قد تكون متورطة في تلك الحادثة، كان بمثابة إشارة للعراقيين المنهكين من الحروب بأنه لا يمكنهم الحصول على هدنة من الصراعات. فما إن بدأ العراق يتعافى من أهوال الحرب، حتى أصبح مرة أخرى ساحة معركة للأطراف الأجنبية.

عناصر من قوات الحشد الشعبي العراقية وهم يحملون نعش رفيقهم الشهيد كاظم محسن، الذي يعرف بالاسم الحركي “أبو علي الدبي”، خلال تشييع جنازته في النجف، العراق، في 26 آب/ أغسطس.

تتكون قوات الحشد الشعبي من مزيج من الكتائب شبه العسكرية التي ترتبط الكثير منها بإيران، ناهيك عن أنها ساعدت على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق في أواخر سنة 2017. ومنذ ذلك الحين، سعى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، تحت ضغط واشنطن، إلى دمج تلك الكتائب في القوات المسلحة العراقية على أمل أن يجلب الاستقرار أخيرًا إلى دولة مزقها صراع مستمر دام 16 سنة منذ الغزو الأمريكي سنة 2003.

بما أن نتنياهو يرغب حاليا في تصعيد الصراع بشكل كبير مع إيران، فإنه يبدو مستعدا للقيام بعمليات في العراق وذلك لأول مرة منذ أن قصف الإسرائيليون مفاعل صدام حسين النووي في أوزيراك سنة 1981. وحيال هذا الشأن، أوضحت الولايات المتحدة، التي اتخذت في عهد الرئيس دونالد ترامب موقفا أكثر صرامة ضد إيران، أنها “تدعم الحملة الإسرائيلية الواسعة ضد العناصر المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان”.

من شأن استهداف إحدى أقوى المجموعات في العراق أن يهدد استقرار الحكومة العراقية ويجعل نضال العراق للحفاظ على الحياد بين الولايات المتحدة وإيران واهيا بشكل خطير. ومن جهتهم، يعلم العراقيون أنه لا يمكنهم سوى فعل القليل من أجل حلّ هذه المعضلة، لكن ذلك لن يقلل من شعورهم بالاشمئزاز والإحباط من مجريات الأحداث الأخيرة.

حسب الباحثة المساعدة في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كوليدج في لندن، إينا رودولف، فإنه “كان هناك إجماع واسع بين الجمهور العراقي بشأن التدخل الأجنبي في العراق، سواء كان أمريكيًا أو إيرانيًا. أعتقد أنه من المهم أن يتابع المسؤولون الأمريكيون الخطاب العام العراقي عن كثب وألا يقللوا من قيمة هذا التأكيد على سيادة العراق”.

من المحتمل أن تقوض الضربات الإسرائيلية الأخيرة شرعية حكومة المهدي، خاصة إذا قررت كتائب الحشد الشعبي الردّ على الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية. وفي حين أنه لا يمكن للمهدي تحمل عداوة الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإنه يعتمد على قوات الحشد الشعبي لتعزيز سلطته، مع العلم أن هذه المجموعة احتلت المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية وهي من حشدت الائتلاف الذي مكن المهدي من الوصول إلى سدة الحكم.

على الصعيد السياسي، تتنامى الاضطرابات في البلاد مع كل هجوم جديد يحدث على الأراضي العراقية. فقبل خمسة أيام من شن غارة يوم الأحد التي استهدفت منطقة القائم الواقعة بالقرب من الحدود السورية، استهدفت إسرائيل محطة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من قاعدة بلد الجوية شمال بغداد. وقد تسبب الهجوم في إطلاق الصواريخ المخزنة في المحطة على القرى المجاورة، مما دفع المزارعين إلى الفرار من منازلهم.

قبل أسبوع تقريبًا من ذلك، انفجر مستودع أسلحة تابع لقوات الحشد الشعبي بشكل غامض في بغداد، مما تسبب في اندلاع حريق هائل أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة حوالي 29 شخصا آخرين بحروق. وفي أواخر شهر تموز/ يوليو، سقط صاروخ من السماء مستهدفا مستودع أسلحة تابع لقوات الحشد الشعبي، مما أدى إلى تصاعد دخان كثيف وأسفر عن مقتل مهندسين إيرانيين.

خلال الأسبوع الماضي، وفي أعقاب الهجمات الأخيرة، أجرى نتنياهو عدة مقابلات أشار خلالها بشكل ضمني إلى أن إسرائيل كانت تقف وراء البعض من الانفجارات التي استهدفت العراق. وردا على سؤال القناة التاسعة الإسرائيلية حول ما إذا كانت إسرائيل ستستهدف المواقع الإيرانية في العراق قال نتنياهو: “نحن نجري عمليات في العديد من المناطق ضد دولة تريد القضاء علينا”. وأضاف قائلا: “بالطبع أمنح قوات الأمن كل الصلاحيات اللازمة وأوعز لهم باتخاذ التدابير الضرورية لإحباط خطط إيران”.

خلال حوارات مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية يوم 22 آب/ أغسطس، أكد مسؤولون أمريكيون، رفضوا الكشف عن هويتهم، مسؤولية إسرائيل في إجراء تلك الضربات. وقد وقعت الضربات العراقية بشكل متزامن مع ضربات أخرى في لبنان وسوريا استهدفت أيضا الجماعات المدعومة من إيران. وعلى الرغم من أن التصعيد قد يبدو مفاجئًا للمراقبين الخارجيين، إلا أنه جاء على خلفية تنامي التوتر بين الولايات المتحدة وإيران منذ شهور، واقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية التي يواجه فيها نتنياهو معارضة شديدة.

في هذا الصدد، أشار باحث أول غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حارث حسن، إلى أن “تصعيد الصراع، في الوقت الحالي، يخدم مصالح بنيامين نتنياهو وهو في طريقه للانتخابات، حيث يعتقد أن المزيد من الاستقطاب سيساعده في تنصيب نفسه على أنه الشخص الذي يدافع عن إسرائيل ضد أعدائها المتعددين”.

داخل العراق، ساهمت الهجمات الأخيرة في تنامي التوتر السياسي الذي بدأ منذ شهور، بينما تكافح البلاد لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة للولايات المتحدة وإيران، والحفاظ على حيادها. وجاءت التفجيرات في العراق بعد تسليط الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على العديد من قادة قوات الحشد الشعبي البارزين، وتحذيرات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأنه حتى مقتل جندي أمريكي واحد، من بين حوالي خمسة آلاف جندي يتمركزون في العراق، سيؤدي إلى تحرك الولايات المتحدة عسكريا.

والجدير بالذكر أن غارات الطائرات المسيرة استهدفت مستودعات الأسلحة التي يُشتبه في أنها تُخزن أسلحة إيرانية وتسيطر عليها ميليشيات الحشد الشعبية التي تربط علاقات وثيقة مع إيران. في شأن ذي صلة، صرح حسن: “لا أستطيع أن أتخيل أن الإسرائيليين نفّذوا هذه الضربات دون استشارة الأمريكيين”.

خلال الأشهر القليلة الماضية، واصلت واشنطن، التي تخشى من تنامي نفوذ إيران في السياسة العراقية، ممارسة ضغوطها على الحكومة العراقية لكبح نفوذ قوات الحشد الشعبي والسيطرة عليها. وفي مطلع شهر تموز/ يوليو، أصدر المهدي مرسومًا يلزم فيه قوات الحشد الشعبي بالاندماج في القوات المسلحة العراقية خلال مدة لا تتجاوز شهرا واحدا. ويزعم قادة الحشد الشعبي على غرار رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح فياض، ترحيبهم بالاندماج”.

لكن المحلل العراقي، حسن قال إن “الكتائب تحاول المحافظة على استقلاليتها الذاتية”، مؤكدا أن “قادة هذه الفصائل يفضلون العمل كجهات فاعلة مختلطة، فهم يريدون الاستفادة من العلاقة التي يربطونها مع الدولة … لكنهم في الوقت ذاته لا يريدون أن يكون هذا الاندماج قويًا إلى الحد الذي يجعلهم يخضعون للقيادة الرسمية”.

تأسست قوات الحشد الشعبي سنة 2014، وهي تمثل مزيجا من الميليشيات الشيعية المتطوعة المدعومة من قبل أكبر رجال الدين في العراق آية الله علي السيستاني، لمحاربة الدولة الإسلامية. وقد لعبت هذه القوات دورا رئيسيا في تحرير المدن العراقية. وبعد هزيمة الدولة الإسلامية، انخرطت هذه المنظمات شبه العسكرية الهجينة في الأنشطة الاقتصادية والسياسية.

 في هذا السياق، قال رناد منصور، زميل أبحاث في تشاتام هاوس، إن “قوات الحشد الشعبي تتمتع بشكل عام بقدر كبير من النفوذ والسلطة، وأنا أعلم أن هناك عددا من المخاوف التي تجتاح الولايات المتحدة تحديدا، لعل أهمها أن الحكومة الحالية في العراق ليست قوية بما يكفي لمكافحة قوات الحشد الشعبي”.

 مع انتهاء فترة ولاية عادل عبد المهدي في نهاية شهر يوليو/ تموز، رفضت الفصائل داخل قوات الحشد الشعبي التخلي عن المواقع الأمنية الرئيسية، لتتواصل بذلك المخاوف من أن تستمر ميليشيات الحشد الشعبي في تنفيذ عملياتها خارج حدود القيادة الرسمية. ومن جهته، يرى منصور أن “المشكلة تتمثل في أن الأمريكيين لا يعتقدون أن الحكومة العراقية الحالية قادرة على مواجهة قوات الحشد، بل حتى أن البعض منهم يظن أن الحكومة لا ترغب في القيام بذلك، وهو ما يمثل مصدر قلق كبير”.

يشتبه حسن في أن الولايات المتحدة ستوظف الهجمات العسكرية كآلية ضغط من أجل فرض قيود أكبر على قوات الحشد الشعبي. ومن هذا المنطلق، أفاد حسن قائلا: “أفترض أن الأمريكيين سيحاولون إجراء عملية تبادل: سيقولون إنهم سيبذلون قصارى جهدهم مع الإسرائيليين، لكن يجب أن تفعل الحكومة العراقية أفضل ما لديها مع قوات الحشد الشعبي. وإذا لم تكن الحكومة قادرة على السيطرة على هذه القوات، فهم لن يتمكنوا من السيطرة على الإسرائيليين نظرا لأن العمليات الإرهابية والهجمات العسكرية التي يشنها الحشد الشعبي تمثل تهديدا بالنسبة لهم”.

لقد صيغت تصريحات المهدي العلنية حول الانفجارات بعناية، وذلك لإدانة الهجمات نفسها دون إلقاء اللوم على دولة أو كيان محدد. وفي أحدث بيان له صدر ردا على هجوم يوم الأحد الذي استهدف مدينة القائم، أدان المهدي هذا الانتهاك الصارخ والعنيف على السيادة العراقية، لكنه تغاضى عن تحميل مسؤولية الهجوم لأي طرف.

في أعقاب الهجوم على قاعدة بلد الجوية، أصدر الزعيم الفعلي لقوات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، بيانا ألقى فيه باللوم مباشرة على الولايات المتحدة وإسرائيل لكونهما الطرفان المسؤولان عن الهجوم، حيث قال مؤكدا: “نعلن أن القوات الأمريكية هي الكيان الأول والأخير المسؤول عما حدث، وسنحاسبهم على كل ما سيحدث من اليوم فصاعدًا”. كما صدرت تصريحات عن عدد من كتائب الحشد الشعبي تدين فيها هجمات الولايات المتحدة المسلطة على إيران. وأصدرت كتائب حزب الله أيضا بيانًا موجها إلى واشنطن تضمن “تحذيرًا نهائيًا”، فيما حمّلت حركة النجباء الولايات المتحدة مسؤولية الهجمات.

سرعان ما تبع بيان المهندس بيان متضارب من القائد السابق لقوات الحشد الشعبي فياض، الذي قال إن التحقيقات جارية بشأن المسؤول عن الهجوم وأن المهندس ليس الناطق الرسمي باسم قوات الحشد الشعبي. حيال هذا الشأن، قال منصور “من الواضح أن [المهندس] غاضب حيال [التفجيرات]، لأنه سلط الضوء على المشكلة في مرسومه الأخير، كما أنه أدان بشكل أساسي الولايات المتحدة ودول أجنبية أخرى. لقد كان مرسومه بمثابة تصريح نادر منه، فالأغلبية مؤمنون بالاعتقاد السائد الذي يفيد بأنه القائد الفعلي، وهو من يقوم بجميع الأعمال الأساسية، في حين أنه يترك كل العلاقات الخارجية تحت سلطة الحكومة الرسمية، أي إلى فالح الفياض”.

أضاف منصور أن “قوات الحشد الشعبي ستسلط ضغطًا كبيرًا على كل هؤلاء القادة لوقف هذه الضربات، وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فسوف تغير استراتيجيتها أو ستسعى لتغيير القوى، أو قد تبدأ في أسوأ الحالات شن هجماتها الخاصة”.

لكن حتى الآن، لم يتمكن المهدي من كبح جماح الهجمات. وعلى إثر انفجار مستودع الأسلحة في بغداد، قام المهدي بتقييد استخدام التحالف الأمريكي للمجال الجوي، ولكن بعد أسبوع فقط، قُصف مستودع الأسلحة المجاور لقاعدة بلد الجوية، وبعد أيام معدودة، قُتل اثنان من رجال الميليشيات في القائم.

في الحقيقة، ينتقد الكثيرون في العراق كلا من واشنطن وطهران لتدخلهما في الشؤون العراقية. لكن بعض العراقيين ينتقدون أيضا صلات قوات الحشد الشعبي بإيران. ومن جهته، قا لمنصور إنه “إذا استمر الأمريكيون في قصف قوات الحشد، فإن العراقيين، وحتى أولئك الذين بدأوا يتوجسون قليلاً من الحشد الشعبي، قد يتساءلون “لماذا يهاجم الأمريكيون العراق؟”.

كلما طالت الهجمات، قلّت إمكانية حياد المهدي إزاء هذه المسألة دون أن يبدو في وضع ضعيف، ولكن سيكون من الأصعب عليه كذلك تجنب إدانة إسرائيل دون أن يتعرض للإهانة. وفي أعقاب الضربات الجوية التي نفذتها طائرات مسيرة على الحدود، ألقت الكتلة البرلمانية التي تمثل قوات الحشد الشعبي وتحالف فتح خطابا تحمّل فيه الولايات المتحدة مسؤولية الهجوم، ويدعو إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق.

من جهته، قال حسن: “نحتاج إلى الانتظار ومعرفة ما إذا كانت هذه الهجمات ستستمر، وما هي الأهداف التالية، لأنه إذا وقعت المزيد من الهجمات، فسيكون ذلك أكثر إحراجًا للحكومة العراقية، إذ أنهم لن يستمروا في التزام الصمت”. لكن حسن في المقابل، لا يعتقد أن أي شخص يريد حقًا أن تتحول هذه المناوشات إلى حرب شاملة؛ فلا الأمريكيون ولا الإيرانيون مهتمون بخوض حرب كبرى في هذا الوقت. كما أردف حسن قائلا: “لا يريد الأمريكيون إشعال فتيل الحرب، لذلك لا أعتقد أن الخطاب سيتسبب في اندلاع حراك كبير داخل العراق. علينا أن ننتظر وسنرى ما سيحدث.”

حذّر منصور، الباحث في تشاتام هاوس، من أن هذه التكتيكات تنم عن محاولات أمريكية سابقة لقمع الجماعات المسلحة المحلية بالقوة، وأن هذه المحاولات نادرًا ما كللت بالنجاح سواء في العراق أو في أماكن أخرى. وفي ذات السياق، أفاد منصور قائلا “لا أعتقد أن الأمريكيين يدركون ما يفعلون”…

*صحافية مستقلة مقيمة في بغداد

*المصدر فورين بوليسي 

*( صفحة ضياء الوكيل غير مسؤولة عما ورد في هذه المقالة ونشرها في الموقع لا يعني تبنيها )

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!