شأن عراقي سيادي… بقلم سمير عطا الله* ( جريدة الشرق الأوسط)

أنا ضد جميع أنواع وأشكال الانفصال والتقسيم، سواء كان متمدناً حضارياً، كما بين تشيكيا وسلوفاكيا، أو همجياً، كما حدث في يوغوسلافيا. ومن هنا لا أستطيع، من حيث المبدأ، أن أكون مع انفصال كردستان العراق، برغم التقدير الإنساني لسائر الظروف المحيطة بالمسألة، وللحروب التي تعرضت لها من بغداد بالطائرات والقاذفات والكيماويات.
لم أفهم لماذا قرر الرئيس بارزاني الدعوة إلى استفتاء الاستقلال الآن. والأرجح أنه أراد استغلال الوضع الإقليمي، والتهاوي الدولي، وغيرهما من «الملائمات» المتوافرة. وفي أي حال، كان رد الفعل الإقليمي والدولي معادياً بشدة.
ولكل فريق في هذه الخريطة المعقدة أيضاً ظروفه ومخاوفه، بدءاً بالجمهورية التركية، وثم إيران، وبعدها سوريا. وأي إنسان يفهم رد فعل الحكومة المركزية في بغداد، وحقّها في الاعتراض وقراراتها السيادية ضد الانشقاق، وخوفها من العدوى. لكن الذي لا يفهم أن تتصرف تركيا وإيران وكأن سيادة العراق تابعة لمخافر الحدود في البلدين.
طبعاً هناك اتفاقات موقعة بين بغداد وأنقرة حول المسألة الكردية، المتداخلة بين البلدين. وهناك مبرر للخوف من تبعات الانفصال في المنطقة برمّتها. وما يبدأ باستفتاء في أقلام الاقتراع، قد يتحول إلى حريق واسع في منطقة لا تفرّق بين الحرب وشاي الساعة الخامسة.
كل هذا لا يمنع أن تصرف إيران وتركيا إهانة سياسية للعراق قبل كردستان. هذه، حتى الآن، مسألة سيادية داخلية. وقد كان في إمكان بغداد أن تبدأ بمعالجتها منذ سنين. ليس بمنح الأكراد منصباً احتفالياً، بل بمحاولة دمجهم في عمق الدولة التي طالما تجاهلتهم واضطهدتهم. حاول حزب العدالة والتنمية منذ مجيئه، أن يمنح الأكراد بعض الحقوق البسيطة، لكن أكراد المنطقة ظلوا بصورة عامة، بلا أي ترضية وطنية معتبرة.
أليس مقلقاً هذا المشهد المتكرر: جميع القوى المعنية تزمجر دفعة واحدة ضد الأكراد، وما من عرض بالوساطة؟ ما من مشروع لحل مُرضٍ؟ فوراً اتجهت بغداد، كالعادة، نحو العقاب بدل أن تستنفد أولاً جميع سبل الحلول الوطنية؟
نتعامل جميعاً مع المسألة وكأن القضية الكردية مفاجأة بدأت أمس، وليست موضوعاً عمره من عمر المنطقة. إن الأكراد يستغلون اليوم فرصة الزلزال الجغرافي والسياسي لكي يخرجوا من إطار الدولة العربية. ويجب أن نعرض عليهم ما يغريهم بالبقاء، المواطنة، مثل الدين، لا تكون بالإكراه.
بدل أن يكون استفتاء أربيل باباً لحرب أخرى، فلنجرب لمرة، الحلول التي لا جثث فيها ولا دماء ولا استقواء ولا غطرسة ولا جاهلية.

*كاتب وصحافيّ لبناني، عمل في كل من صحيفة النهار ومجلتي الاسبوع العربي والصياد اللبنانية وصحيفة الأنباء الكويتية.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...