مواطن عراقي حوّل 6 بلايين دولار إلى الخارج… بقلم وليد خدوري*

وليد خدوري خبير اقتصادي

مع تفاقم الخلافات بين المجموعات السياسية العراقية المتحالفة والمتنازعة منذ 2003، تنفضح تدريجاً ضخامة الفساد الذي هيمن على العراق منذ الاحتلال. الأسبوع الماضي كشف وزير المال هوشيار زيباري في حوار متلفز على هامش استجوابه في مجلس النواب، تحويل شخص (لم يذكر اسمه) أكثر من ستة بلايين دولار إلى حساب للشخص في إحدى المصارف الأجنبية. وقال زيباري ان لديه الوثائق الثبوتية لهذا التحويل.

كيف يحصل مواطن عراقي على ستة بلايين دولار؟ ما هي الإنجازات الاقتصادية التي حققها هذا المواطن لحيازة هذه الثروة؟ هل البلايين هي حقيقة أمواله، أم أموال زعيم سياسي قريب له، أو صديق للعائلة، أو رفيق حزبي قديم؟ وكيف يمكن في كل الأحوال تحويل أكثر من ستة بلايين دولار (6.455 بليون دولار)؟ من هو المسؤول الذي سمح بتهريب هذه الأموال؟ هل هذا المبلغ وغيره من الأموال المهربة هدفها زيادة ثروة عائلية فقط؟ أم هل هناك أهداف أخرى؟

بسبب ضخامة الأموال التي سرقت من موازنة الدولة، يتردد كلام كثير في بغداد عن أن هذه المبالغ تحول إلى دول مجاورة، خصوصاً إيران أثناء الحصار عليها وعلى النظام السوري الذي يواجه نزاعاً مسلحاً منذ 2011. كذلك ما هي مسؤولية المصارف العراقية والأجنبية والمصارف المركزية التي تفرض على المواطن نظام «سويفت» عند أي تحويل خارجي، مهما كان ضئيلاً، ثم يسيل لعابها أمام مبلغ ستة بلايين دولار؟

سبقت استجواب زيباري مساءلة وزير الدفاع خالد العبيدي في مجلس النواب خلال الشهر الماضي. وكشف وزير الدفاع بالأسماء ضغوطاً من بعض النواب، منهم رئيس المجلس سليم الجبوري، للحصول على عقود من وزارة الدفاع، منها عقد ببليون دولار لإطعام منتسبي الجيش العراقي. وسحب المجلس الثقة من العبيدي وأجبره على الاستقالة. وهناك فضائح وزارة الكهرباء إذ خصصت الموازنات العراقية السنوية منذ احتلال 2003 نحو 26 بليون دولار لدعم الطاقة الكهربائية. ولا تزال الكهرباء تنقطع نحو 18 ساعة يومياً. ويمكن تصور حال المواطن العراقي خلال فصل الصيف هذا الذي تجاوزت فيه درجة الحرارة 50 درجة مئوية، ما اضطر الحكومة إلى إغلاق الدوائر الرسمية ليومين متتاليين.

ويعاني العراق من النزوح الداخلي لمئات الآلاف من مواطنيه بسبب النزاعات المسلحة. وتشكلت لجان رسمية لمساعدة النازحين. لكن مسؤولين كباراً استغلوا الأموال المخصصة وعاثوا فيها فساداً. والمشكلة لا تزال قائمة، بل تتفاقم يومياً. وتحذر بعثة الأمم المتحدة في العراق «يونامي» من الازدياد المستمر لأعداد النازحين بسبب الحروب، إذ إن «أكثر من 82 ألفاً و600 عراقي نزحوا من بيجي والشرقاط ونينوى والقيارة منذ 16 حزيران (يونيو)… وقد يتأثر ما يقارب 1.2 مليون شخص بالعمليات العسكرية المستمرة…». هنا يتساءل المواطن العراقي: أين أموال النفط؟ والسؤال الحقيقي: أين أموال الفساد؟

والسؤال الأهم هو: إلى متى هذا الكلام عن هذه الفضيحة أو تلك؟ من هم المسؤولون؟ وما هي الوسائل الإجرائية والقانونية لإدانتهم ولاستعادة الأموال المنهوبة؟ تدهورت الأمور إلى مستوى غير معقول، فرئيس الوزراء حيدر العبادي اضطر إلى الاعتراف علناً عند استلام مهماته بأن خزانة الدولة فارغة، علماً أن مخصصات الموازنات العامة كانت كالآتي، خلال السنوات التي سبقت حكمه: 2006 – 33.9 بليون دولار، 2007 – 41 بليوناً، 2008 – 70 بليوناً، 2009 – 67 بليوناً، 2010 – 72.4 بليون، 2011 – 82.6 بليون دولار. وتفاقمت المشاكل مع شيوع الفساد في السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولجأ كبار المسؤولين إلى تعيين عشرات الآلاف من «الفضائيين» في السلك المدني والعسكري للدولة، من دون حاجة هؤلاء إلى المداومة أو ممارسة العمل. وجرى تقاسم معاشاتهم ما بين مسؤوليهم وسياسيي الدولة المتنفذين.

ويتوقع ان تنكشف فضائح كبرى في المستقبل المنظور مع تفاقم الخلافات بين القوى السياسية المتنفذة، ومع بدء مسلسل انهيار النظام. وهذا سيعني ان عمليات التهريب ستزداد للحفاظ على الأموال في الخارج لاستعمالها عند الضرورة وفي الوقت المناسب. والأموال المسروقة تستعمل في شكل واسع في كسب الولاءات السياسية والأصوات عند الانتخابات، الأمر الذي يعزز نفوذ المفسدين.

يعيش العراق هذا الجو الفاسد غير المسبوق، وهو يشكو باستمرار من خلو خزانته، فيما يسجل إنتاجه وصادراته النفطية أرقاماً قياسية. فالإنتاج فاق 4.5 مليون برميل يومياً ويقترب من خمسة ملايين. والصادرات خلال آب (أغسطس) الماضي بلغت 3.23 مليون برميل يومياً، كما أن الريع النفطي خلال الشهر الماضي سجل نحو 3.93 بليون دولار. والعراق اليوم ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة «أوبك».

إلى متى سيمكن الاستمرار في التغطية على الفضائح، من دون محاسبة أو محاكمات؟ وهل لجوء كبار المسؤولين إلى طهران للحصول على صكوك الغفران بعد انكشاف الفضائح الكبرى، كما حصل مع نوري المالكي (بعد سقوط الموصل وخسارته منصب رئيس الوزراء) ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري (بعد الاتهامات العلنية من وزير الدفاع حول فساده وفساد أعضاء آخرين في مجلس النواب). هل هذا هو النظام «الديموقراطي» الذي وعدت به واشنطن العراق في 2003؟

* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...