كاسترو في التسعين… بقلم علي حسين

الكاتب علي حسين

أُطلق على فيديل كاسترو الذي يحتفل هذه الأيام بتسعينيته أوصافٌ عديدة: الثوري، المقاتل، الدكتاتور، لكن اللقب الذي كان يسحره كثيراً مثلما يخبرنا صديقه الحميم غابريل غارسيا ماركيز هي المواطن الجوال، فعلى حدّ قول صاحب مئة عام من العزلة، يمكن لسيارته الخفيفة أن تظهر في أي وقت وهي تنساب دون جلبة درّاجات ناريّة ولا حمايات عبر شوارع هافانا، بدأت مثل كثيرين غيري، متابعة أخبار كاسترو، ليس فقط تحديه لأميركا، ونقده العنيف لها، وإنما لحلمه الرومانسي في العدالة الاجتماعية، الثائر، والمثقف وصديق همنغواي وغراهام غرين ويوسا وريجيس دوبرية، الذي يتصل بـ إيزابيل الليندي كلما صدرت لها رواية جديدة ليناقشها على مدى ساعات عبر سماعة الهاتف، والذي خصص سارتر كتاباً خاصاً لتجربته، كان بالنسبة لي مثل السحرة الذين قرأتُ عنهم في ألف ليلة وليلة، مرّة أراه ثورياً ساحراً، وفجأة يتحول إلى مفكّر، يجادل أفكار الماركسيين الكبار، واخرى حاكم لايريد ان ينافسه أحد. 

ولهذا كنتُ ولا أزال أعتبر أنّ الصفة الأشمل التي تليق بهذا الثوري العتيق هي ” ” شاهد على القرن العشرين “. لم يرَ الأحداث وهو جالس في مكتبه، بل كان يشارك في صنعها.
ظهر كاسترو الشاب الوسيم في زمن أفاقت فيه الشعوب مرّة واحدة، وبدا أنّ عصر الحرية حان ، رفض أن يتقلب في المواقف، وعندما رضخت أميركا أخيراً إلى رفع الحصار عن كوبا الذي بدأته قبل خمسين عاما، رفض ان يستقبل أوباما في بيته، وقال للمقربين منه: لديّ حساسيّة ضدّ الرأسماليين، لازلت ذلك الحالم بعالم الاشتراكية.
كلما كتبتُ عن تجارب الأُمم وقصص الشعوب، أجد في اليوم التالي مَن يعاتبني، لأنني أترك هموم هذه البلاد، وأنباء معركة كسر العظم بين عالية نصيف ووزير الدفاع، وآخر صورة التقطتها وزيرة الصحة عديلة حمود وهي ترفع أصابعها بإشارة النصر على المتظاهرين وعلى أهالي الضحايا، وعلى النظام السياسي الذي يعجز عن إقالة وزير! ولأنّ مايجري في هذه البلاد العجيبة ليس من اختراعي، وتقلبات الساسة وأهواؤهم خارج همومي، فقد توقفتُ كثيراً عند خبر بثّته وكالات الأنباء يتعلق بوزيرة التعليم العالي السويدية التي قدّمت استقالتها،لأن الشرطة أوقفتها ، وأجرت لها تحليلا للدم أثبت وجود نسبة قليلة من الكحول تتعارض مع قيادتها للسيارة ، وبعد الاستقالة ستواجه الوزيرة عقوبة السجن 6 أشهر.لأنها خالفت قوانين المرور.
كلما تجوّلنا في تجارب الأُمم نتذكر أننا حلمنا يوماً برئيس مثل والبرازيلي دي سيفا والسنغافوري لي كوان..مسؤول يفضّل القانون على الفساد، ويختار التواضع على المكابرة الفارغة. ويقرر أن يكون حاضر ومستقبل بلاده ملكاً للجميع لا لطائفة واحدة، والمواطن أمانة لايمكن رهنها أو إيجارها لدول الجوار.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...