سنةٌ أُولى احتجاج.. بقلم عدنان حسين

تظاهرات التحرير

عدنان حسين

الحركة الاحتجاجية المتواصلة في عشر محافظات عراقية منذ سنة بالتمام والكمال، هل عمِلت فرقاً وأحدثت تغييراً في الحياة السياسية والاجتماعية؟

 نعم، هذا ما حصل بالفعل .. ولا يقلّل من قيمة ومقدار ما تحقّق أنّ المُنجز لا يتناسب مع الطائفة الواسعة للمطالب التي أطلقتها الحركة، وهي جميعاً مطالب ملحّة ومحقّة ودستورية أملتها الخيانة المتواصلة للطبقة الحاكمة لتعهداتها الدستورية.
أوّل ما حققته الحركة أنها هزّت الطبقة الحاكمة هزّاً وأدخلت في نفسها الهلع وأطاحت هيبتها الزائفة. هذا ما لوحظ على نحوٍ خاص في مناسبتين، الأولى في بداية الحركة عندما سارع مجلس النواب إلى الموافقة بالإجماع، من دون مناقشات ومساجلات ومناكفات واعتراضات، على الحزمة الإصلاحية الأولى للحكومة، وبطرحه هو أيضاً حزمة إصلاحية موازية. والمناسبة الثانية كانت بعدما امتدّت حركة الاحتجاج والاعتصام إلى داخل المنطقة الخضراء، فقد أفضى ذلك إلى انقسام كبير داخل مجلس النواب وما يشبه الانتفاضة على قمة الهرم السلطوي ( قادة الكتل والأحزاب الذين ظلّوا لأكثر من عشر سنين المتحكم غير المنازع بقرارات مجلس النواب والحكومة والسلطة القضائية).
الطائفة الواسعة من مطالب الحركة الاحتجاجية، تمحورت حول ثلاثة محاور رئيسة: الأول، إصلاح النظام السياسي بإلغاء نظام المحاصصة الذي وضعته الطبقة السياسية المتنفذة لضمان وصون مصالحها الحزبية والشخصية بخلاف ما تضمّنه الدستور من مبادئ وأحكام، وبتشريع القوانين اللازمة لإنشاء نظام ديمقراطي. الثاني، مكافحة الفساد الإداري والمالي الذي اجتاح أركان الدولة والمجتمع على نحو خطير للغاية في عهد الحكومتين السابقتين، برئاسة نوري المالكي، وكان السبب الرئيس في انهيار الاقتصاد ونظام الخدمات وتردّي الأحوال المعيشية وهزيمة الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية كافة أمام العصابة الإرهابية، داعش، ما مكّنها من احتلال ثلث مساحة البلاد ووضع ملايين العراقيين في محنة قلّ نظيرها في تاريخ العراق الطويل. أما المحور الثالث للمطالب فهو توفير الخدمات العامة الماسّة الحاجة إليها، كالكهرباء والماء والصحة والبيئة والتعليم والسكن والنقل والصرف الصحي وسواها.
الحركة الاحتجاجية، وهي أكبر حركة من نوعها في تاريخ العراق والمنطقة كلها وكانت امتداداً للحركة المنطلقة في 25 شباط 2011 المقموعة بوحشية، أرغمت الطبقة الحاكمة الفاسدة على الاعتراف بفسادها وتبنّي شعار مكافحة الفساد، وعلى الإقرار بأنّ نظام المحاصصة هو الأساس في تفشّي الفساد والفشل الذريع للدولة وعجزها عن الوفاء بواجباتها حيال مواطنيها.
وأماطت الحركة الاحتجاجية اللثام عن ممارسات شائنة للطبقة السياسية تتناقض تماماً مع الشعارات التي ترفعها إنْ بخلفية دينية أو وطنية، منها على سبيل المثال إنشاء لجان اقتصادية تابعة للأحزاب والكتل الحاكمة تتولى بيع مناصب الدولة وقبض أثمانها بالملايين والمليارات من الدولارات وجباية الرشى والأتاوات عن عقود المشاريع التي تُبرمها الوزارات ومؤسسات الدولة مع الشركات الأجنبية والمحلية. وكشفت الحركة أيضاً عن أنّ واحدة من أكبر عمليات الفساد الجارية في البلاد، وهي استغلال نافذة بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي لتنظيم عمليات غسل الأموال وتهريبها إلى خارج البلاد لصالح عناصر القيادات المتنفذة في الأحزاب والكتل الحاكمة.
باختصار، فضحت الحركة الاحتجاجية نفاق أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة، الشيعية والسنّية، التي تستخدم الدين لتحقيق مصالحها الحزبية ولتنظيم عمليات نهب خزينة الدولة. ولم يكن هذا بالأمر الهيّن في ظلّ الطغيان المالي والسياسي لهذه الأحزاب، ولا هو بالعمل قليل الأهمية، فقد كشف عن أنّ الأكثر فساداً هم الأكثر تشدّقاً بالدين، وأفضى إلى اتساع رقعة رفض الإسلام السياسي والتنديد به.
بمتابعة الحركة الاحتجاجية سنة أخرى بالهمّة ذاتها، وبتجاوز الأخطاء التكتيكية المرتكبة في السنة المنصرمة، يمكن لنا أن نشهد تحوّلات مهمة في المشهد السياسي مستقبلاً.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...