لست عميدها ولا شيخها سجاد الغازي عميد الصحافة وشيخها – بقلم حسن العلوي

سجاد الغازي

لست عميدها ولا شيخها سجاد الغازي عميد الصحافة وشيخها –  بقلم حسن العلوي

hassan_al_alawi_2_21112012

لطالما تحدث الكتاب في العمود الصحفي ومقدمو البرامج التلفزيونية ومن بينهم تلامذة كاتب هذه السطور، وبدافع المحبة والتقدير صاروا يمنحونه القابا على حساب الحقائق التاريخية الماثلة امام ابصارها فاصبحوا مثلا يطلقون على لقب عميد الصحافة او شيخها. لكن من يتابع كتاباتي واحاديثي المتلفزة ومحاضراتي ويقرأ الصفحات الأولى من بعض كتبي فيجد انني لم اتوقف لحظة عن تصحيح نسبة هذه الألقاب ليكون صاحبها هو ذلك الماثل امامي في اول خطوة أتقدم فيها لينشر مقالا لي في جريدة يومية، فاسلمها اليه وصورته لم تبرح مخيلتي منذ عام 1954.

انه سجاد الغازي ماكثا وراء طاولة من الالمنيوم القديم وعلى كرسي يختلط صريره بصرير قلمه، وامامه على الطاولة منديله الأبيض، وتحت درجه الوحيد يضع طعامه فيختلف لحظة التوقف ليقيم اوده وفوقه تدور مروحة كمروحة الجواهري وقد ظهرت عليها تضاريس السنين ووخطتها الدهور، لكن العرق يتصبب من جبينه فيمسحه بمنديله قبل ظهور المناديل الورقية.

لم يدخل سجاد الغازي الى معهد لتعليم الصحافة ولم يرث عن عائلته مهنة الكتابة ولم يعطه ابوه او شقيقه دروسا فيها معتمدا على التدريب الذاتي لترقية قدراته وخبراته فكان هو محررا للاخبار وكاتب الافتتاحية ومصمم الجريدة معا.

كان سجاد الغازي هو الجريدة والجريدة هو ولطالما تابعت خطواته وهو ينزل الى غرفة الأرشيف. والارشيف اكوام من صور وخطوط مرسومة على النحاس وملصقة على قطع من خشب فيستخرج من هذه الاكوام صورة بورتريه.

كان سجاد الغازي وراء صعود عدد من زملائه الى زعامة النقابة مكتفيا بعضويتها وفي افضل الأحوال بامانة سرها فكان الأمين على مصالح الصحفيين لان عظمه من عظامه وعرقه من عروقه.

وظل الرجل بعيدا عن الدولة والأحزاب فلم تروج له سلطة ولم تدفعه الأحزاب الى شهرة لا يستحقها ولم يصعد على اكتاف دولة او حزب فيما برزت أسماء لرؤساء تحرير ومحررين صغار صعدوا على كتفيه العريضتين واذا ما تهيأ لمؤرخ محايد ان يكتب تاريخ الصحافة ويغوص في اعماقها ويترجم لرجالها سوف يكون سجاد الغازي وليس غيره، الصحفي الذي لم يمتهن عملا غير مهنته فبقي قلما ووعيا ووجدانا لا يباع ولا يشترى ولا يجامل ولا يحابي ولا يهاجم سعيا وراء مكسب ولم يجنح لموجة سياسية غامرة فيمتطي مدارجها بل استمر صرير قلمه مع صهيله جوادا عربيا اصيلا.

وفي ظل متغيرات درامية تصعد فيها أسماء وتنزل فيها أسماء، لم يصعد اسم سجاد ولم ينزل فحافظ على افقه وكأنه نجم يدور في فلك واحد كادحا من رموز الكدح الصحفي مع شهرة غير قابلة للمساومة.

صامتا والدنيا تثرثر. ناطقا والدنيا صامتة يقتلها الخوف. لهذا لم تستغن عنه الجريدة ولا حزب حاكم لكنه لم يقترب من غرف القرار ولا سمح لكبريائه ان يتمشى على ظهرها حزبا او سلطة.

كنت اكتب عمودي في صحف يومية لطالما كان سجاد مدير تحريرها فلا اجد احيانا المقال منشورا في اليوم التالي فاذا عدت اليه وجدته محتفظا به خوفا على كاتبه من اندفاع او تهور يدفع ثمنه غاليا .

وفي الحملة العربية على الرئيس المصري انور السادات بسبب زيارته الى القدس كان سجاد و – البعث- الحزب الحاكم يهمس في اذني .

اسمعني يا ابو اكثم : على كيفك لتروح زايد واعلم ان الحملة هذه لا يشنها حزبكم ويستهدف السادات بل المستهدف هو مصر لعزلها , فاذا عزلت فقد العرب راسهم المفكر وقوتهم البشرية الاولى .

لم يكن وعينا قد بلغ مدارج هذا الوعي فاحتفظ بالنصيحة حتى خروجي بعد اقل من عامين الى الكويت لانشر في جريدة السياسة مقالات ودراسات عن مصر كانت نصيحة سجاد تدفعني اليها فيعاد نشر المقال ولاول مرة في تاريخ الصحافة المصرية على صدر الصفحة الاولى لجريدتي الاهرام والاخبار .

سجاد الغازي لم يحترف غير حرفة الفقر , فيجوع مع جوعها ولا يشبع اذا شبعت ولا يشكو اذا جاع ولا يتبرم من شبع الاخرين .

فاذا كانت هذه الاستقامة نادرة في بيئاتنا الصحفية فهي عند سجاد الغازي حياة يومية .

سجاد هو شرفنا الصحفي ونبالة الكلمة العربية : وجوع القلم .

عمرا مديدا مجيدا لعميد الصحافة والاستقامة والصحافة والى شيخها وهو يحبو الى التسعين موشحة بالوقار والعروية في اعلى مصافها.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...