محتوى الصفقة مع إيران أكثر أهمية من توقيتها…

 الخامنئي 1

محتوى الصفقة مع إيران أكثر أهمية من توقيتها

دينيس روس  دينيس روس

غالباً ما لا تُحسم المفاوضات حول القضايا التي تحمل في طياتها مخاطر عالية حتى اللحظة الأخيرة. وبالتالي، ليس من المفاجئ أن نشهد، في المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني، وضع مواعيد نهائية محددة وتمديدها بعد ذلك في ظل غياب التوصل إلى اتفاق. ففي حين أن المفاوضات تجري مبدئياً بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا وبين إيران، إلا أن هذه المحادثات أصبحت في الواقع ثنائية، بين الولايات المتحدة وإيران. ويحاول الطرفان أن يحددا بشكل أكثر تفصيلاً معالم  اتفاق الإطار الذي تم الإعلان عنه في 2 نيسان/إبريل في مدينة لوزان.

ومن الناحية النظرية، كان من المفترض أن يكمن الجزء الأصعب من المفاوضات في التوصل إلى تفاهم حول المبادئ الأساسية لتحديد الأمور التي سيُسمح بها في البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما تم الإعلان عنه في 2 نيسان/ إبريل. لكن يُلاحظ أنه لم يكن من الصعب وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل فحسب، بل يبدو أن التفاهم بحد ذاته بحاجة إلى التفاوض أيضاً. وفي هذا السياق، بدا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في خطاب ألقاه في 23 حزيران/يونيو، مشككاً بالمبادئ التي تم الاتفاق عليها، بقوله: لن يتمكن المفتشون من الوصول إلى المواقع العسكرية، ولا يمكن أن تكون مدة القيود على البرنامج النووي الإيراني 10 إلى 12 عاماً، ولا يمكن أن تكون عمليات البحث والتطوير النووي الإيراني محدودة، ويجب أن تُرفع العقوبات المفروضة على إيران بالتزامن مع التوقيع على الاتفاق.

وحتى قبل هذا الخطاب، كان المفاوضون الإيرانيون يفسرون التفاهم الذي تم التوصل إليه في 2 نيسان/إبريل بشكل مختلف عن تفسير الولايات المتحدة وأعضاء «مجموعة الخمسة زائد واحد» الآخرين له. والآن، تم تمديد الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق والمحدد في 30 حزيران/يونيو إلى 7 تموز/يوليو. فهل سيتم التوصل إلى اتفاق؟ وهل يجب إتمام هذه الصفقة؟

من الواضح أنه إذا قرر خامنئي أنه لا بد من تحقيق الشروط التي أعلن عنها في خطابه، لن يتم التوصل إلى اتفاق، ولا ينبغي إتمام هذه الصفقة. فمنذ البداية، كانت هذه المفاوضات تدور حول دفع الإيرانيين إلى إظهار نوايا سلمية في برنامجهم النووي، مقابل رفع العقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني. وفي حين دعا المرشد الأعلى باستمرار إلى “اقتصاد المقاومة”، الذي من شأنه أن يكون صامداً في وجه نظام العقوبات، إلا أنه من الواضح أن الإيرانيين يريدون إزاحة العقوبات عن كاهلهم وقد طالبوا باستمرار برفعها فور التوصل إلى اتفاق. وتكمن المشكلة هنا في أنهم غير مستعدين للحد من بنيتهم التحتية النووية بطريقة من شأنها أن تثبت أنه لا يمكن استخدام برنامجهم النووي في أي مجال سوى في الطاقة النووية المدنية.

وعلى الرغم من أن اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه في لوزان ينص على التقليل إلى حد كبير من عدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تخصب اليورانيوم ومن مخزون اليورانيوم المخصب الذي يمكن أن يكون بمتناول يد إيران، إلا أن هذا الاتفاق لم ينص على تفكيك إيران لبنيتها التحتية لتخصيب اليورانيوم. أما من ناحية الإنجاز الأكثر أهمية الذي تحقق في اتفاق الإطار، فيتجلى في أنه أدى إلى بروز شفافية واسعة النطاق حول البرنامج النووي الإيراني، من بينها ما يُعرف باسم سلسلة التوريد لتخصيب اليورانيوم. وهذه الشفافية، التي من المقرر أن تستمر لمدة 25 عاماً، من شأنها أن تجعل من الصعب جداً على إيران تحويل المواد إلى برنامج نووي سري، وهو أمر هام بالفعل. أما القيود الأخرى – عن عدد أجهزة الطرد المركزي وبرامج البحث والتطوير المتعلقة بنماذج متقدمة من أجهزة الطرد المركزي – فتستمر لمدة 10 سنوات، ومن ثم يتم رفعها بعد 15 عاماً.

وبعبارة أخرى، يتجلى جوهر اتفاق الإطار في أن الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى الحد من العقوبات مقابل الشفافية. ويعني ذلك أن الشفافية يجب أن تكون حقيقية. ويجدر بالولايات المتحدة الوصول في الوقت المناسب إلى أي موقع مشبوه. إذ يجب أن يتم كشف النقاب عن الجهود السابقة الرامية إلى تطوير أبعاد عسكرية محتملة للبرنامج، من حيث المواقع والوثائق، والأشخاص الذين يعملون في هذه المجالات، وذلك لكي تحصل واشنطن على أساس تعمل من خلاله على التحقق مما تم حتى الآن. يجب رفع العقوبات فقط عندما يكون الإيرانيون قد نفذوا الالتزامات الرئيسية في الاتفاق. وإذا انتهكوا الاتفاق، يجب أن تكون هناك عواقب مضمونة ذات معنى لكي يفهم الإيرانيون الثمن الذي سيدفعونه مقابل كافة التجاوزات، مهما كانت صغيرة.

وفي النهاية، إذا لم تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق محكم مع إيران، وليس هناك على الإطلاق أي اتفاق – للحد من التسلح – محكماً، يجب أن تكون واشنطن قادرة على ردع إيران من الإخلال بالاتفاق خلال مدة الصفقة. وربما الأهم من ذلك، ونظراً لأن إيران ستُترك كدولة على حافة العتبة النووية في نهاية الاتفاق، يجب على الإيرانيين أن يدركوا أنهم إذا تحركوا سعياً إلى امتلاك القدرة على صناعة الأسلحة النووية، سيؤدي ذلك إلى استخدام القوة ضد برنامجهم النووي. فكلما كانت الولايات المتحدة أكثر وضوحاً خلال مدة الاتفاق حول العواقب [التي ستنجم من الإخلال بالصفقة]، كلما زادت مصداقية مثل هذه التهديدات في وقت لاحق.

وفي هذه المرحلة، يُعتبر مضمون الاتفاق أهم من توقيته. لقد كان الرئيس الأمريكي أوباما محقاً في الثلاثين من حزيران/يونيو عندما قال إن أي اتفاق لن يرى النور إذا لم يتم وضع نظام تدقيق صارم. وبالتالي فإن اعتماد الوضوح في تحديد عواقب الإخلال بالإتفاق لا تقل أهمية على الإطلاق.

 

دينيس روس هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن.

 

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.