تقييم المعلومات لمعرفة ما إذا كان الاتفاق المرتقب مع إيران مقبولاً…

 تقييم المعلومات لمعرفة ما إذا كان الاتفاق المرتقب مع ايران مقبولا…

مايكل سنغ باحث

مايكل سينغ
إذا توصلت إيران ودول «مجموعة الخمسة زائد واحد» إلى اتفاق نووي هذا الصيف، لا بد لأعضاء الكونغرس والمرشحين للرئاسة والرأي العام في الولايات المتحدة أن يحكموا على هذا الاتفاق ويقرروا ما إذا كان مقبولاً. وسيستوجب ذلك تقييم نقاط القوة أو الضعف لكل بند وفقاً لحيثياته. وربما الأهم من ذلك، إن هذا التقييم يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الصورة الكلية عبر طرح الأسئلة التالية: ما هي الأهداف التي تسعى إيران والولايات المتحدة إلى تحقيقها من خلال هذا الاتفاق؟ وهل تُعدّ الأهداف التي وضعتها الولايات المتحدة صائبة؛ بعبارة أخرى، هل يؤدي تحقيقها ما يكفي لدعم مصالح الأمن القومي الأمريكي، أو سيفضي الاتفاق إلى تراجع هذه المصالح؟

أهداف إيران واستراتيجيتها

تسعى إيران في المحادثات النووية، كما يُستشفّ من خلال إجراءاتها ومواقفها في التفاوض، وراء هدف أساسي مزدوج: التحرر من العقوبات والعزلة الدبلوماسية والتهديد العسكري، مع الحفاظ على القدرات الضرورية لتطوير سلاح نووي في المستقبل إذا ارتأت القيام بذلك. ويقيناً، هذه ليست أهداف إيران الوحيدة، فهي تنضوي في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تحصين النظام وفرض النفوذ الإيراني وإعلاء مقام إيران. فضلاً عن ذلك، ليست الآراء الإيرانية موحدة، فعلى سبيل المثال، تختلف وجهات نظر المسؤولين الإيرانيين بشكل ملحوظ حول درجة انفتاح اقتصاد البلاد على التجارة والاستثمار الخارجيين. ولكن يبدو أن التخلص من الضغوط وإبقاء خيار تطوير أسلحة نووية مفتوحاً هما الهدفان الرئيسيان اللذان يوجهان إيران على طاولة المفاوضات.

ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى طهران هو تعارُض هذين الهدفين مع بعضهما البعض، إذ أن رفع العقوبات يفترض الحد من أنشطتها النووية، بينما بلوغ عتبة سلاح نووي بالفعل يستوجب تكثيف هذه الأنشطة. وبالتالي، لطالما ارتكزت الاستراتيجية الإيرانية على حماية هذه العناصر من برنامجها النووي التي هي ضرورية لأي جهد مستقبلي لإنتاج سلاح. وقد يتطلب هذا الجهد إنتاج وقود نووي مخصص لصنع السلاح و”تسليح” هذا الوقود على شكل جهاز متفجر وتركيب هذا السلاح على ناقلة أسلحة، ربما تكون عبارة عن صاروخ باليستي. ومن المرجح أن تتخذ هذه الأنشطة طابعاً سرياً، حيث أن إنتاج الأسلحة النووية محظوراً في “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”، وأن أي خطوة صريحة للقيام بذلك قد تؤدي إلى توجيه ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران.

إطار لوزان

لم تغلق المفاوضات حتى الآن، احتمال تحقيق إيران لهذين الهدفين. ففي حين أن معايير الاتفاق التي أُعلنت في لوزان في 2 نيسان/إبريل تركت أسئلة هامة معلقة، فإنها تزيد من احتمال رفع العقوبات بشكل ملحوظ من دون منع إيران بوضوح من اتخاذ الخطوات الضرورية للمحافظة على قدرتها على صنع أسلحة نووية وبذل جهد سري في المستقبل لتطوير سلاح فعلي.

الوقود النووي. إن الاتفاق الذي يتم التفاوض بشأنه حالياً قد يترك لإيران ثلاثة عناصر أساسية لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب المطلوب لتزويد سلاح نووي بالوقود بشكل سري. أولاً، يترك لإيران سلسلة إمدادات كبيرة ومشرعة لصنع الوقود النووي، كتعدين اليورانيوم وتفريزه وتحويله وتخصيبه؛ ويسمح لها بصنع أجهزة الطرد المركزي والتكنولوجيا المرتبطة بها؛ وتخزين الوقود وأجهزة الطرد المركزي في مختلف مراحل استخدامها، والتي قد تحاول إيران من خلالها تحويل المواد والتقنية وطاقم العمل والخبرات إلى أي جهد سري موازٍ آخر. إن معايير الاتفاق الحالية تتيح لإيران مواصلة أعمال البحث والتطوير حول أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وقد يقلص ذلك إلى حد كبير من عدد أجهزة الطرد المركزي المطلوبة لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، مما يمكّن إيران من العمل على هذه المهمة ضمن منشأة أصغر حجماً وبالتالي يمكن إخفاؤها بسهولة أكثر.

التسلّح. في الوقت الذي جمعت فيه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ووكالات الاستخبارات الغربية قدراً كبيراً من المعلومات حول جهود إيران السابقة والمستمرة على الأرجح لتسليح الوقود (ويُقصد بذلك إكسابه “أبعاداً عسكرية محتملة”)، رفضت طهران الإجابة على أسئلة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» المتعلقة بهذه الجهود أو السماح بالنفاذ إلى طاقم عملها ومنشآتها الأساسية التي يُقال أنها منخرطة فيها. فقد أصر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي علناً على عدم السماح للمفتشين بالتحدث إلى العلماء النوويين الإيرانيين، كما أن مسؤولين إيرانيين أكدوا أن تحقيقات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن إضفاء “أبعاد عسكرية محتملة” تفتقر لأي أسس شرعية ولا بد من رفضها. وتَعتبر إيران أن إخفاء الجهود الرامية إلى التسلّح عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يحافظ على قدرتها على الاستعانة بطاقم العمل والمنشآت وأعمال البحث المنضوية في إطار أي جهد مستقبلي لصنع قنبلة نووية بعيداً عن أنظار المفتشين الدوليين.

ناقلة الأسلحة. يُقال أن إيران تملك أكبر ترسانة للصواريخ الباليستية وأكثرها تطوراً بين الدول التي لا تملك أسلحة نووية، ويعتقد مسؤولون أمريكيون أنها تعمل على [صنع] صواريخ باليستية عابرة للقارات. وفي حين تمحورت العقوبات التي فرضها كل من مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة حول العمل على الصواريخ الباليستية، أعلن خامنئي أن هذا الموضوع خارج عن سياق المحادثات النووية؛ ولم يُشَر إليه إلا بطريقة غير مباشرة في الاتفاق المؤقت المعروف بـ “خطة العمل المشتركة” والذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، ويبدو أن مفاوضي «مجموعة الخمسة زائد واحد» قد أخرجوا الموضوع [عن نطاق المفاوضات] منذ ذلك الحين.

أهداف الولايات المتحدة وإستراتيجيتها

إذا كانت إيران تحاول الإبقاء على خيار صنع الأسلحة النووية أو حتى تعزيز فرصه، فقد يتوقع المرء أن يكون هدف الولايات المتحدة وشركاءها هو منعها من القيام بذلك. ولكن في الواقع، شهدت الأهداف الأمريكية في المفاوضات تحولاً. فعند انطلاق محادثات «مجموعة الخمسة زائد واحد»، كان هدف الولايات المتحدة بالفعل يتمثل بمنع إيران من اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية. وفي عهد الرئيسين بوش وأوباما، توقع المسؤولون الأمريكيون أن تقوم إيران بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم بالكامل وتفكيك معظم بنيتها التحتية النووية، كما فعلت الدول الأخرى التي تخلت عن برامجها النووية.

ولكن في “خطة العمل المشتركة”، تنازلت «مجموعة الخمسة زائد واحد»عن شرط تعليق التخصيب وهدف التفكيك. فعوضاً عن منع إيران من اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية، يبدو أن هدف الولايات المتحدة اليوم قد أصبح منع إيران من بناء سلاح فعلي مع التنازل ضمنياً عن تمتعها بهذه القدرة. وتحقيقاً لهذه الغاية، يأمل المفاوضون الأمريكيون تقييد إيران من تجاوز العتبة النووية لفترة عام واحد (ويُقصد بذلك الوقت المطلوب لإنتاج سلاح واحد انطلاقاً من اليورانيوم عالي التخصيب) في منشآتها المعلنة وذلك طيلة العقد المقبل، من خلال رضوخ طهران الطوعي للقيود المفروضة على أنشطتها النووية، وفي الوقت نفسه زيادة أعمال التفتيش للتأكد من عدم سعي إيران وراء برنامج موازٍ غير معلن يهدف إلى إنتاج سلاح نووي.

وبشكل عام، يقدم المسؤولون الأمريكيون سببين وراء هذا التحول في الأهداف. أولاً، يؤكدون أن زيادة عدد المفتشين سيضمن عدم قدرة إيران على السعي وراء [تطوير] سلاح نووي بصورة سرية، في حين أن التعذر في التوصل إلى اتفاق سيعني تخفيض عدد عمليات التفتيش. ثانياً، يصرون على أن إيران لن توافق على قيود واسعة النطاق وأن البدائل عن الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه ستلحق ضرراً أكبر بالمصالح الأمريكية.

إلا أن هاتين الحجتين هما موضع جدل. فهناك عدة عوامل ستحد من قيمة زيادة عمليات التفتيش، بما فيها القيود المفروضة على المفتشين (على سبيل المثال، عدم النفاذ في الوقت المؤاتي إلى المواقع العسكرية ورفض إيران المستمر الاستجابة للتحقيقات المتعلقة بـ “الأبعاد العسكرية المحتملة”)، والقيود المفروضة على نطاق عمليات التفتيش (على سبيل المثال، استثناء برنامج الصواريخ الإيراني)، والنطاق الموسع للأنشطة النووية التي يُسمح لإيران بالانخراط فيها. إن التقليل من شأن البدائل عن الاتفاق التي قد تعتمدها الولايات المتحدة يؤدي إلى الاستخفاف بالقيمة الرادعة للضغط الاقتصادي والعسكري. كما أنه لا يأخذ في نظر الاعتبار أنه بغض النظر عن الطابع غير المحبذ للبدائل المطروحة أمام أمريكا، تواجه إيران بدائل أسوأ نظراً لوضعها الاقتصادي المتردي وتعرضها لتهديدات عسكرية. ويعني ذلك أن احتمال فشل المفاوضات يجب أن يثير قلق طهران أكثر مما يثير قلق واشنطن، وبالتالي يشكل نقطة نفوذ تعمل لصالح «مجموعة الخمسة زائد واحد» وليس ضدها.

الآفاق المستقبلية

من غير المرجح أن تعود إدارة أوباما إلى الأهداف السابقة المتمثلة بمطالبة إيران بتفكيك بنيتها النووية التحتية أو التوقف، ولو مؤقتاً، عن تخصيب اليورانيوم. ومن غير المحتمل أيضاً أن تصر الإدارة الأمريكية على أن تغير طهران مسار سياساتها غير النووية على غرار دعمها للإرهاب والأنشطة التي تزعزع الاستقرار على المستوى الإقليمي، وذلك ضمن اتفاق نووي أو كشرط لرفع العقوبات. وتضمن هذه العوامل بحد ذاتها فشل أي اتفاق نووي في تحقيق الأهداف التي وضعتها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة وسيلاقي معارضة كبرى في واشنطن ولدى حلفائها في الشرق الأوسط.

ولكن إذا أرادت إدارة أوباما أن تستحصل على أكبر قدر من الدعم لاتفاق نووي وتتجنب احتمال رفضه من قبل الكونغرس أو – في سيناريو أسوأ بكثير – أن يؤدي إلى تراجع المصالح الأمريكية عوضاً عن دفعها قدماً، يمكنها أن تمتثل إلى أقصى درجة لهدفها السابق وهو منع إيران من اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية، وينبغي على الإدارة الامتثال لذلك الهدف، بدلاً من الاكتفاء بمنع طهران من ممارسة تلك القدرة. إن ترك إيران بمعزل عن العقوبات أو التهديدات العسكرية، ولكن أمام خيار إنتاج سلاح نووي بشكل سري – وعند انتهاء صلاحية القيود المفروضة بموجب الاتفاق، تركها كدولة على عتبة الحصول على سلاح نووي – يخفّض من التكلفة المترتبة على إيران إذا حاولت تطوير سلاح نووي عندما تسمح لها الظروف بذلك، بينما يزيد من احتمال سعي دول إقليمية أخرى إلى اكتساب قدرات تخولها صنع أسلحة نووية خاصة بها.

إن منع إيران من اكتساب القدرة على صنع الأسلحة النووية أو على الأقل التضييق عليها بشدة، ما زال ممكناً حتى في هذه المرحلة المتقدمة من المحادثات. فالقيام بذلك يتطلب الدفاع عن البنود الأكثر أهمية في اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه في لوزان (على سبيل المثال، تلك المتعلقة بعمليات التفتيش الطويلة الأمد لسلسلة الإمدادات النووية الخاصة بإيران) وتعزيز عناصر أخرى بشكل ملحوظ، ومنها:

  • منع إيران من الحصول على رخصة لإنجاز أعمال البحث والتطوير حول أجهزة الطرد المركزي؛
  • الإصرار على تفتيش أي موقع يعتبر مشبوهاً من قبل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، بما فيها المواقع العسكرية؛
  • الإصرار على تجاوب إيران مع تحقيقات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن إضفاء “أبعاد عسكرية محتملة” وسماحها الوصول [إلى المواقع] المتعلق بذلك، كشرط مسبق لأي خطوة لتخفيف العقوبات؛
  • وضع قيود على عمل إيران في مجال الصواريخ، وخصوصاً تلك المتعلقة بتصميم المركبات العائدة ذات القدرة النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات وتطويرها.

بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا ترتكز فترة سريان الاتفاق على عامل الوقت فحسب، بل على إقرار كل من مجلس الأمن الدولي و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بأن إيران قد استعادت الثقة الدولية في النوايا السلمية لانشطتها النووية أيضاً. وبالمثل، يجب التخطيط لأي عملية لتخفيف العقوبات أو المساعدات المالية استناداً إلى الأداء الإيراني، أما العقوبات المرتبطة بمسائل لم يأتِ الاتفاق على ذكرها (على سبيل المثال، رعاية الإرهاب) فينبغي أن تبقى قائمة وأن يتم تطبيقها بكل حزم. علاوة على ذلك، من الضروري دعم الاتفاق باستراتيجية حليفة أوسع نطاقاً مصممة لإنفاذ بنوده، وردع الانتهاكات والاستجابة لها بصورة مجدية، والرد على عناصر أخرى من السلوك الإيراني الخبيث، وتعزيز التحالفات الإقليمية وترسيخ معايير حظر الانتشار النووي على الصعيد العالمي.

إن قائمة المتطلبات المذكورة هنا طويلة ولكنها ليست ذات تكلفة باهظة على نحو استثنائي، فهي بمعظمها متوافقة مع المعايير المعلنة في لوزان. ومع ذلك، فهي ترغم إيران على الاختيار بين هدفيها التوأمين: تخفيف الضغوط من خلال رفع العقوبات من جهة، وإبقاء خيار صنع أسلحة نووية مفتوحاً من جهة ثانية. وبالتالي، من المتوقع أن تقاوم طهران هذه المتطلبات، ويعني ذلك احتمال استلزام المفاوضات وقتاً إضافياً أو حتى تحملها تعطيلات مؤقتة. ولكن يمكن تقبّل هذا الخطر من أجل التوصل إلى اتفاق يُبعد إيران عن الأسلحة النووية على نحو دائم. 

 

مايكل سينغ هو زميل أقدم في زمالة “لين- سويغ” والمدير الإداري في معهد واشنطن.

 

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.