أمريكا ونوايا التسليح في العراق

شبكة النبأ للمعلوماتية / الكاتب علي طالقاني / 11 أيار 2015 / أثار برنامج التسليح الخاص بالعراق الذي أقره الكونغرس الأمريكي جدلا واسعا، حيث يتضمن تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات (شيعة وسنة وأكراد) يتم تقديم المساعدات العسكرية مباشرة للميليشيات السنية والكردية دون العودة إلى الحكومة المركزية.

فهل يعني ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح للحفاظ على أمن العراق؟ ولماذا ترفض الحكومة العراقية تسليح السنة والبيشمركة؟

يبدو ان واشنطن تسعى لبرنامج تدريب وتجهيز كبيرين في منطقة الشرق الأوسط، في وقت يتحدث فيه العالم عن ولادة شرق جديد، حيث قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري: “إن الولايات المتحدة وحلفاءها الخليجيين سيحاولون الاتفاق على إجراءات أمنية جديدة خلال قمة تنعقد في واشنطن للتصدي لأفعال إيران التي تزعزع الاستقرار بالمنطقة.”

يبدو ان تداعيات البرنامج باتت واضحة في المنطقة، فعلى سبيل المثال فان تركيا ستبدأ بخطة أمريكية تتضمن تدريب وتسليح قوة معارضة سورية، قطر من جهتها متهمة بدعمها “للجماعات الإسلامية المتشددة” التي تقاتل في سوريا. الأردن تجد نفسها قريبة من البرنامج فهناك شبه اتفاق بينها وبين بعض السياسيين والعشائر السنية في العراق يقضي بالتسليح وبرامج تدريب.

أما الحديث عن دور ايران في العراق، فهو دور لا يخفى إذ ان ايران حليف كبير للعراق وهي من تقوم بمساعدة الحكومة العراقية في التصدي لتنظيم “داعش” لكنها تجد نفسها محرجة أمام تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في حديثه عندما زار أمريكا عندما تحدث بجرأة عن منع قيام ايران من تشكيل قوة تابعة لها. بحسب مصادر اعلامية

وعلى الصعيد الداخلي في العراق يرى محللون ان ايران تجد نفسها محرجة أمام رؤية واستقلال المرجعية الدينية في العراق، فعلى عكس ما يقال من ان قيادة الشيعة في المنطقة تنطلق من ايران، فان رؤية المرجعية الدينية في النجف المتمثلة بالمرجع السيستاني لقيادة الشيعة في العراق هي رؤية مغايرة (لقيادة ولاية الفقيه) وهو الأمر الذي يقف حائلا دون نفوذ ايران في الداخل العراقي الذي تتحدث عنه الدول السنية بقيادة المملكة العربية السعودية.

مخاوف التسليح

برغم طمأنة دبلوماسيّ الادارة الامريكية من ان “سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق لن تتغير بخصوص دعم عراق موحد من خلال تقديم المساعدات والمعدات العسكرية عبر نافذة الحكومة العراقية لدعم قوات الامن”. لكن الوضع يبدو معقدا، ويكشف عن تحديات تواجه واشنطن فيما يخص الإخلال بالتوازن السياسي الهش بين الشيعة والسنة والاكراد.

ويرى مختصون ان برنامج التسليح بالطريقة المعلن عنها غير قانوني، ويتيح التدخل في الشؤون الداخلية للبلد حيث سيدفع ذلك دول المنطقة لتسليح جماعات موالية لها، لذا يأتي برنامج التسليح وسط مخاوف من بينها:

– تقسيم البلد: يبدو أن هناك رغبة واضحة لدى بعض الاطراف العراقية بالتقسيم أو الانفصال فالأكراد يسعون لذلك، وبالتالي تزداد هذه المخاوف من انعكاس الانفصال على كل من إيران وتركيا اللتين تضمان اقليات كردية. حيث تعززت هذه المخاوف بعد الدعوات المتكررة من نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) الذي أكد في عدة مناسبات دعمه لخطة تقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم ذاتي: للشيعة والسنة والأكراد، وهو ما بدا صداه واضحا لدى الاكراد وبعض السنة من خلال التأكيد على ضرورة انشاء اقاليم غير خاضعة للحكومة المركزية، كما حث ذلك الطرفين على تقديم طلبات لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) للحصول على معدات عسكرية، ويبرر الطرفان ذلك بأن الحكومة المركزية في العراق غير مستعدة للتعاون، وهو الأمر الذي ولد انقساماً سياسياً.

ومن المخاوف الأخرى، تغييب سلطة الدولة واندثار روح المواطنة وغياب السلطة المركزية التي يمكن لها أن تحد من الاستقطاب الطائفي.

– صراعات دولية: يتخوف مراقبون من إن برنامج التسليح يشكّل محاولة منسقة من قبل الدول السنية لإنشاء قوّة لمواجهة ايران وحلفائها في المنطقة وبالتالي سيغذي الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بشكل أكبر.

– الحرب بالوكالة: من المخاوف الأخرى لبرنامج التسليح انه يوفر أجواء لوكلاء دول معينة ينوبون لأداء أدوار لصالح هذه الدول عبر تشكيل جيوش صغيرة تتعدد ولاءاتها، وبالتالي يتحول البلد الى ساحة للصراعات الدولية.

– من أوجه التفسيرات الأخرى ان تكون هزيمة داعش أمرا ثانويا فكلما طال الصراع ازدادت قوة التنظيمات المتشددة، مما يستلزم ان يضع الجميع عداوته جانبا لأن التنظيم تمدد في وقت حساس تتعرض فيه منطقة الشرق الاوسط لهزات متتالية عنيفة تغذي العنف والتطرف.

– سقوط الأسلحة بيد تنظيم داعش: مرات عديدة تم الاستحواذ على اسلحة لمصلحة التنظيم عندما سيطر على عدة مدن عراقية، وقد تكرر هذا المشهد، فأنه في العادة عندما يتم الاستيلاء على موقع عسكري، في أغلب الاحيان أن هذه المعسكرات تتواجد داخلها مخازن لأنواع من الأسلحة حتى ان بعض الاسلحة الامريكية قد سقطت بيد داعش وان الحكومة لم تتمكن من منع وقوع ذلك، وهو ما يثير الكثير من الشكوك حول قدرتها في المستقبل من عدم تكرار هذه الأخطاء.

خلاصة

يأتي برنامج التسليح في وقت تحولت فيه الحروب بين الإرهابيين والدول الى صراعات بين الوكلاء الإقليميين، وبين الطوائف الدينية، وتعمل هذه الحروب ببطء على استنزاف حياة الجميع. وحتى في حال تسليح السنة والأكراد في العراق فمن المستبعد ان يتعايش كلا الطرفين وخصوصا في محافظتي الأنبار والموصل من جانب وبين الأكراد من جانب آخر لأسباب تتعلق بالتنافس لقيادة السنة وبالاقتصاد وبالأراضي المتنازع عليها.

لذا ينبغي ان تكون أهداف التسليح واضحة لضمان عدم تأجيج الصراعات بشكل أكبر وصياغة لغة جديدة تتماشى مع مصلحة البلاد.

* كاتب صحفي وباحث في شؤون الارهاب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.