مصدر الأخبار المزيفة في الشرق الأوسط…!! بقلم كونور كوبشيك*

في السنوات الأخيرة، اكتسب مفهوم “الأخبار المزيفة” زخما في الولايات المتحدة بسبب نظريات المؤامرة ذات الدوافع السياسية. أمّا بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فغالبًا ما كانت تشمل السياسة نقاشًا حول المؤامرات. تعرُض الأنباء بواسطة  القمار الصناعية بالتفصيل معلومات حول الشبكة القطرية المؤلفة من مخبرين سريين والتمويل غير المشروع الذي يهدف إلى الإطاحة بالحكومات العربية، بينما انتشرت بعض وسائل التواصل الاجتماعي فكرة أن هيلاري كلينتون أسست الدولة الإسلامية. وفي حين أن الأخبار المزيفة تؤدي دورًا مهمًا في تشكيل الثقافة السياسية في الشرق الأوسط، تقلّ الدراسات حول هذا الموضوع.

فالدراسات الحالية حول نظريات المؤامرة في الشرق الأوسط تميل إلى التركيز على الأسباب التي تجعل الأفراد عرضةً لتصديق مثل هذه النظريات، وتكون معظمها من منظور نفسي أو أنثروبولوجي. ويرى البعض أن السياق الثقافي للمنطقة يجعلها أرضًا خصبة للمؤامرات، مثل المؤلف دانيال بايبس، الذي جادل في كتابه تحت عنوان ” اليد الخفية: مخاوف الشرق الأوسط من المؤامرة”، أن النظرة العالمية المزدوجة للأديان الفارسية ما قبل الإسلام تساهم في بناء خوف لدى الإيرانيين المعاصرين من المؤامرات الشريرة. ويشير آخرون إلى تاريخ المنطقة الحديث الذي أثبت واقعية المؤامرات، وتم ذكر اتفاق سايكس-بيكو وأزمة قناة السويس وإطاحة “وكالة الاستخبارات المركزية” برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، كدليل على أسباب تخوف الناس في الشرق الأوسط من المؤامرات الأجنبية. وفي هذا الإطار، يشير ممدوح المهيني، وهو صحافي في “العربية”، إلى القبول السائد لنظريات المؤامرة باعتباره “عكازًا نفسيًا” يستند إليه الأشخاص في الشرق الأوسط للتعامل مع التغيرات السياسية والاجتماعية والدينية.

لكن هذه التوضيحات والتفسيرات تصوّر، على أحسن تقدير، أولئك الذين يصدقون نظريات المؤامرة كضحايا للظروف التاريخية أو الثقافية. والأسوأ أنها تصرف النظر عن أنّ مسألة الأخبار الزائفة هي مشكلة جهل وخوف، ما يصغّر مستهلكيها. كما وتقلل معظمها دور القادة الأوتوقراطيين في العمل بنشاط على تعزيز نظريات المؤامرة لتحقيق أهدافهم الخاصة.

وعندما تنشر الدول الاستبدادية نظريات المؤامرة بواسطة وكلائها، وتمنع الصحفيين والمفكرين الجديين من تحديها، تحقق بذلك أهدافًا متعددة. والهدف الأكثر بداهة يكمن في إلقاء اللوم على مؤامرة صهيونية أو أمريكية كبيرة لصرف الاهتمام عن أوجه القصور التي تعاني منها الأنظمة، مع العمل في الوقت عينه على تحويل المواطنين إلى قوميين متطرّفين سريعي الغضب. وبالمثل، وثّقت ليزا ويدين في كتابها “غموض الهيمنة”، أن بشار الأسد قد أطلق نظريات عدّة بهدف نشر الفوضى والتشويش على المواطنين وتشتيت أفكارهم. وأفاد هذا التكتيك أيضًا في تحديد أكثر الموالين إخلاصًا وإظهار قوة النظام علنًا. فإنّ جعل صحفي بارز في التلفزيون الوطني يدّعي أن عاصفة البرد التي وقعت في الليلة الماضية كانت من إعداد جهاز إسرائيلي لمراقبة الطقس يدل بوضوح على أن “الحقائق” و “الواقع” ذاتية ومنسوبة للولاء.

وفي الآونة الأخيرة، شرع غابرييل كولر ديريك، وريتشارد أ. نيلسن وديفيد رومني إلى إجراء دراسة معمقة حول تعزيز الدولة الاستبدادية لنظريات المؤامرة. في كتاب نظريات المؤامرة في الإعلام المصري الذي تسيطر عليه الدولة، قام الثلاثي بدراسة الصحف التي تديرها الدولة وتلك شبه المستقلة خلال ثلاث فترات: السنوات التي سبقت ثورة مصر عام 2011، والفترة المتقطعة بين الثورة وحركة التمرد، والأيام والسنوات التي تلت الانقلاب العسكري الذي أدّى إلى خلع الرئيس محمد مرسي. وتبيّن في البحث أنّ بعد الثورة الأولى ارتفع ذكر نظريات المؤامرة. لكن هذا التوجه استمر فقط مع الإطاحة بمرسي.

وبعد سقوط حكم مبارك، والصعوبة الكبرى في إعادة التنظيم التي واجهها النظام، استغلت صحيفة “المصري اليوم” شبه المستقلة القيود المخففة ونشرت نظريات المؤامرة بين جماعة “الإخوان المسلمين” والجيش. ولكن بعد أن أحكم الجيش سيطرته، شرع على الفور كل من صحيفة “المصري اليوم” و”الأهرام” التي تديرها الدولة بنشر نظريات المؤامرة حول محاولة “الإخوان المسلمين” تفكيك الدولة، وهي نظريات تبرّئ الحكومة العسكرية الحاكمة. كما ادّعت صحيفة “الأهرام” بجرأة وجود مؤامرة أمريكية للسيطرة على مصر من خلال جماعة “الإخوان المسلمين”.

وقد أثبتت الدراسة الاعتقاد السائد لدى المراقبين: تشكّل نظريات المؤامرة جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسية في الشرق الأوسط ولا يمكن تفسيرها بشكل كامل بعامل واحد. وحتى عندما تحرروا من قيود الدولة، اعتاد الصحفيون المصريون على لغة المؤامرة. ويشير المؤلفون أيضًا إلى أنّ مرحلة التحولات المؤسسية كانت ملائمة جدًا لنشر مثل هذه النظريات.  وغالبا ما تلجأ السلطات إلى إطلاق مثل هذه النظريات عندما تكون ضعيفة وتستشعر التهديد. أما بالنسبة للمستهلك الإعلامي، فأن التأثير النفسي الذي يتركه وجود قوة كبيرة تقوم بإحداث هذه الفوضى يكون مهدئًا، حتى ولو كانت هذه القوة تخفي نوايا شيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يدل التعجيل في دمج الروايات بين وسائل الإعلام الحكومية وتلك “المستقلة” في أعقاب انقلاب عام 2013 على مدى مساهمة أنظمة الشرق الأوسط في صياغة الأخبار. كما أنّ هذه المؤامرات هي حدث مألوف على الساحة العامة وبالتالي لا تكون ممكنة بدون دعم الدولة.

وفي حين يتم تصوير نظريات المؤامرة المعادية للغرب على أنها من إعداد التنظيمات الإسلامية مثل “حزب الله”، والنظام الإيراني،أو”الإخوان المسلمين”، وهي كذلك في معظم الأحيان، تكون في الواقع متحدرة من جذور أوسع. ويوثق كولر ديريك وزملاؤه ارتباط منظمات إعلامية بالنظام المصري، وهي المتلقية العربية الكبرى للمساعدات الخارجية الأمريكية، إذ تنشر نظريات عن مؤامرة أمريكية-إسلامية. ففي الواقع، كان أنصار الجيش المصري من أطلق النظرية المذكورة أعلاه والتي تنسب تأسيس تنظيم “داعش” إلى هيلاري كلينتون. وفي الحقيقة، إنّ المنطقة مكتظة بالحلفاء الغربيين الذين يغذون هذه الأنباء المزيفة. وفي هذا الإطار، اتهم رئيس تركيا والعضو في منظمة حلف شمال الاطلسي (الناتو) رجب طيب اردوغان الولايات المتحدة باستخدام تنظيم “داعش” و”حزب العمال الكردستاني” و”حركة جولن” بهدف إضعاف تركيا ومهاجمتها. كما اكتسب مسؤول أمني إماراتي وسياسي عراقي شعبيةً كبيرة في الترويج لنظرية مفادها أن نهج الرئيس أوباما “المرن” تجاه إيران يعود إلى إرثه الشيعي.

غالبا ما تملي هذه الحملات الدعائية الواسعة النطاق شروط النقاش وتغير نظرة الشعب بشكل غير مسبوق. ففي عام 2011، وجد مركز أبحاث “بيو” أن 22٪ فقط من الأردنيين يعتقدون أن العرب هم من ارتكبوا الهجمات التي وقعت في 11 أيلول/سبتمبر، مقابل 39٪ في عام 2006، في حين سجّل اللبنانيون، الذين كانوا أكثر المجموعات تقبلاً للاستطلاع، نسبة 28٪ في إلقاء اللوم على المواطنين العرب. ولا تعمّق هذه المفاهيم الخاطئة الشرخ بين الشرق الأوسط والغرب فحسب، بل تزيد من تفاقم التحديات التي تواجهها المنطقة. وتغذّي نظريات المؤامرات الغربية المناهضة للإسلام روايات تجنيد جماعات مثل “القاعدة” وتنظيم “داعش”، في حين تعزز الحكم الاستبدادي وتعرقل التنمية الاقتصادية والبشرية.

*كونور كوبشيك باحث مستقل مقيم حاليًا في رام الله. وقد قام في السابق بدراسة تكتيكات حرب المعلومات لمقاول حكومي.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!