رياح التغيير السعودية تعصف بالأمير الوليد بن طلال…!!! بقلم سايمون هندرسون (معهد واشنطن)

لا تزال قدرة السعودية على مفاجأة [العالم] تدهشنا. فخلال نهاية الأسبوع المنصرم، جرى إطلاق سراح رجل الأعمال الدولي الملياردير الأمير الوليد بن طلال من مقر احتجازه في فندق “الريتز كارلتون” في الرياض وسُمح له بالعودة إلى أحد قصوره.

ويبدو أنه يتمّ إسقاط اتهامات الفساد الموجهة ضده. وفي هذا الصدد، صرّح الأمير لوكالة “رويترز” أن احتجازه لمدة 12 أسبوعاً كان نتيجة “سوء تفاهم”، وأنه يُجري “مناقشات نهائية” مع السلطات لما يريد ان يكون “براءته الكاملة”.

لكن ربما لا يجدر بنا أن نتفاجأ إلى هذا الحدّ. فأحد المعتقلين الآخرين الأوليين الذين فاق عددهم المئتين كان وزير المالية السابق ابراهيم العساف، الذي رافق الملك سلمان في رحلة رفيعة المستوى إلى موسكو في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، حين كان يُفترض أنه موضع شك أساساً. وبعد إطلاق سراحه قبل بضعة أسابيع وتبرئته من كافة التهم الموجهة إليه وفقاً لبعض التقارير، ترأس العساف الوفد السعودي الأسبوع الماضي إلى “المنتدى الاقتصادي العالمي” السنوي في دافوس.

كما قد يكون التغيير في حظوظ الأمير الوليد بمثابة صدمةً لـ “هيئة الإذاعة البريطانية” الـ “بي بي سي”. فلثلاثة أيام ثلاثاء خلال كانون الثاني/يناير، بثت المحطة سلسلة من الحلقات مدتها ساعة من فيلم وثائقي بعنوان “آل سعود: عائلة في حرب”. ويلخص العنوان بدقة كيف نسف نجل الملك السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التفاهمات السابقة حول طريقة حكم المملكة. فقد تمّ تجاهل مفاهيم الحذر والتوافق في الآراء في ظل إقدام ولي العهد على تنحية أبناء عمومته وإصلاح الاقتصاد، بما في ذلك منع تفشي الفساد.

وشرح البرنامج الذي عُرض في 16 كانون الثاني/يناير بالتفصيل كيف تسير قضايا الفساد في السعودية، حيث أشار أيضاً في هذا السياق إلى أن الأمير محمد بن سلمان اشترى يخت بقيمة 550 مليون دولار، وقصر فرنسي بقيمة 300 مليون دولار، وربما يكون قد شارك في عملية الاستحواذ على لوحة “سالفاتور مندي” (مخلّص العالم) للفنان ليوناردو دافنشي لمتحف “لوفر أبوظبي” الجديد التي تم شراؤها خلال مزاد علني في تشرين الثاني/نوفمبر بمبلغ 450 مليون دولار.

ومن بين الأمثلة على الفساد التي اختارتها شبكة الـ “بي بي سي” كان بالطبع الأمير الوليد. فعلى ما يبدو، تلقى مبلغاً يفوق 300 مليون دولار عندما فازت شركة هولندية بعقد بناء قاعدتين جويتين عسكريتين في المملكة. كما أن تكلفة القاعدتين، اللتين هما جزء من صفقة “اليمامة” الممتدة على عدة سنوات والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لتزويد السعودية بطائرات حربية، تفوق 200 مليون دولار بقليل. وقد اختفت الأموال الإضافية في مجموعة سرية من الحسابات، وجرى فرض غرامة على الشركة، “بالاست نيدام”، بقيمة 500 مليون يورو (ما يناهز حالياً 620 مليون دولار) بسبب مدفوعات غير قانونية إلى عملاء أجانب، وفقاً لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية.

ومن بين الوقائع المثيرة للاهتمام حول الأمير الوليد هي أنه إلى حين بروز نجم الأمير محمد بن سلمان، كان الأمير السعودي الأكثر شهرةً في العالم، رغم أنه لم يضطلع بدور سياسي مهم. وبعبارة بسيطة، كان نسبه – كونه من والد منفرد في رأيه ومن أم غير سعودية (لبنانية في الواقع) – السبب في جعله غير مؤهل للاضطلاع بدور رسمي في “لعبة العروش” السعودية أو في ظهور اسمه في”الرياضولوجيا”، وهي دراسة أفراد العائلة المالكة السعودية وأدوارهم في المملكة، التي كتب عنها كاتب هذه السطور في أحد العواميد قبل ثلاثة أسابيع.

لكن الآن، أصبح مصير الوليد يكتسي أهميةً من الناحيتين السياسية والاقتصادية. وفي حين أن غيره من الأمراء المحتجزين الذين أبرموا صفقات مقابل إطلاق سراحهم – حيث تردد أن نجل الملك الراحل عبدالله، الأمير متعب، قام بتسليم أكثر من مليار دولار – يمكن تحييدهم والتعتيم عليهم، إلا أن الحال يختلف مع الأمير الوليد.

فعالم الأعمال الدولي، الذي يرغب الأمير محمد بن سلمان في استقطابه لتحقيق التحول الاقتصادي ضمن «رؤية السعودية 2030»، سيراقب مجريات الأحداث، ويتحقق لمعرفة براءة الوليد وما إذا كان سيتعين عليه مثلاً التخلي عن حصصه في موقع “تويتر” وسلسلة فنادق “فور سيزونز” في إطار صفقة ما.

وقد أضْفت حلقة مكافحة الفساد برمتها جواً من عدم اليقين على محاولة السعودية مواكبة العصر بدلاً من إطار من الوضوح. وبعدما تسببت بما يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها خيارات سيئة على صعيد السياسة الخارجية في اليمن وقطر في تأخير مساعي المملكة، تظهر الآن تأخيرات على الصعيد الاقتصادي – كما ورد في تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” بعنوان “التردد في اختيار البورصة المناسبة يعرقل طرح أسهم ‘أرامكو’ للاكتتاب العام”. وقد اعتُبرت الخصخصة الجزئية لأكبر شركة نفط في العالم وسيلةً لتمويل استثمارات جديدة في المملكة.

الصورة قد تنجلي أو لا.

وفي غضون ذلك، إذا صادفتَ رجلاً هزيلاً بعض الشيء في ردهة فندق “فور سيزونز” في الرياض يدّعي أنه مالك المكان، فقد يكون من الأفضل لك ألا تسأله كيف يقارَنْ الفندق مع “الريتز كارلتون”.

*(سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن)

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!