مقالات:ارتفاع أسعار البنزين.. هدية العام 2018 للسعوديين (إعداد فريق تحرير نون بوست)

يستقبل السعوديون الساعات الأولى للعام الجديد 2018 ببدء تطبيق أسعار الوقود المقررة مؤخرًا بنسب غير مسبوقة تتراوح بين 82 و126% لتلقي بظلالها القاتمة على الشارع السعودي الذي ما فتئ يعاني من موجة الرسوم الإضافية والضرائب المفروضة خلال الفترة الماضية.

التسعيرة الجديدة للمشتقات النفطية تأتي ضمن خطة التوازن المالي التي أقرتها الحكومة السعودية في إطار رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان، وتهدف إلى تقليل الاعتماد على المنتجات النفطية ومحاولة البحث عن موارد اقتصادية جديدة ومتنوعة تقود المملكة إلى آفاق التنمية حسبما يأمل القائمون عليها.

تزامن تطبيق هذه الزيادات مع ما يثار بشأن دفع المملكة للأمير الإنجليزي هاري تشارلز وعروسه ميجان ماركل 60 مليون دولار مقابل قضائهما شهر العسل في مدينة جدة، وتحمل هيئة الرياضة السعودية كلفة إقامة إستاد رياضي لأحد الأندية المصرية بكلفة مليار ريال تقريبًا، أثار العديد من التساؤلات التي تحمل بعضها تناقضات واستنكارات لدى رجل الشارع العادي، فهل هذه هدية ابن سلمان للسعوديين في عامهم الجديد؟

زيادة غير مسبوقة

في بيانها الصادر بتاريخ 12 من ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في السعودية الأسعار الجديدة للمشتقات النفطية المحلية على أن يبدأ تطبيقها نهاية آخر ساعة من أمس، الأحد، 31 من ديسمبر/كانون الأول 2017، أي ابتداءً من الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وبداية يوم الإثنين 1 من يناير/كانون الثاني 2018.

القرار يأتي وفق بيان الوزارة في إطار خطة تصحيح أسعار الربح من الانترنت منتجات الطاقة التي تهدف إلى تقليص النمو المتسارع في الاستهلاك المحلي لمنتجات الطاقة في المملكة، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية وتعزيز استدامتها، وهو ما يصب في نهاية المطاف في مسار رؤية ولي العهد الإصلاحية.

الزيادات في الأسعار تعد الأكبر في تاريخ المملكة، إذ تخطت المراحل الانتقالية السابقة التي كانت تلجأ فيها السعودية إلى فرض زيادات بين الحين والآخر، حيث تراوحت نسبها ما بين 82% في بعض المشتقات لتصل إلى 126% في مشتقات أخرى.

ووفق التسعيرة الجديدة وصل لتر بنزين 91 إلى 1.37 ريال، وبنزين 95 بلغ 2.04 ريال، والديزل للصناعة والمرافق وصل 0.378 ريال ، والديزل للنقل ظل على سعره القديم والبالغ 0.47 ريال، كذلك الكيروسين توقف عند 0.64 ريال، مع العلم أن قائمة الأسعار الجديدة تشمل ضريبة القيمة المضافة.

الحكومة السعودية حذرت من التلاعب في هذه الأسعار الجديدة، مشيرة إلى أن الجهات الرقابية ستقوم بمراقبة الأسواق لضمان تطبيقها، وعدم التلاعب بها، وعدم انقطاع الإمدادات.

ارتفاع أسعار الوقود اليوم هي المرحلة الثانية للزيادات التي تم اعتمادها في 29 من ديسمبر/كانون الأول 2016 ليبدأ تطبيقها الفعلي الأول من يناير/كانون الثاني 2017 وفق خطة مراجعة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والكهرباء والمياه التي راعت التدرج في التنفيذ خلال 5 سنوات، حيث ارتفع البنزين 91 من 0.45 ريال للتر إلى 0.75 ريال للتر، بزيادة نسبتها 66%، وزيادة سعر البنزين 95 من 0.60 ريال للتر إلى 0.90 ريال للتر، بزيادة قدرها 50%.

في الوقت الذي يهرول فيه ولي العهد الشاب لمحاربة الفساد بما يتماشى مع رؤية المملكة الجديدة الرامية إلى تخفيف النفقات لأجل محددات النمو والتدشين لمرحلة جديدة لا تعتمد على النفط، ينفق هو شخصيًا قرابة 1.3 مليار دولار من أجل شراء بعض المقتنيات الشخصية

الرياض ترفض تأجيل رفع الأسعار

العديد من التوصيات قُدمت للرياض بهدف تأجيل الزيادات في أسعار الوقود والمياه نظرًا لما يترتب عليها من مخاطر على المنظومة الاقتصادية غير أنها أصرت على فرضها في هذا التوقيت، حسبما كشف صندوق النقد الدولي الذي أكد فشله في إقناع الجانب السعودي برؤيته تلك.

الصندوق في تقرير له عن المشاورات الاقتصادية السنوية التي يجريها مع المملكة لفت إلى إخطار الرياض له بإعادة النظر في وتيرة تنفيذ إجراءاتها التقشفية لتجنب حدوث تباطؤ كبير للنمو الاقتصادي وتفاقم البطالة، مشيرًا إلى أنها تقفز بخطوات سريعة نحو تخفيض الإنفاق وفرض المزيد من الضرائب والرسوم لخفض العجز الكبير بالموازنة الناجم عن انخفاض أسعار النفط.

ونظرًا للمخاطر الناجمة عن الهرولة نحو مزيد من التقشف حث صندوق النقد الحكومة السعودية أكثر من مرة – بحسب التقرير – على إبطاء تدابيرها التقشفية لتجنب الإضرار بالاقتصاد، مشيرًا إلى أنه بإمكانها تأجيل تحقيق ضبط الموازنة حتى 2022 قائلاً: “بالنظر إلى قوة الاحتياطيات الوقائية في المالية العامة، وتوافر التمويل ومرحلة الدورة الاقتصادية الحاليّة، ليس من الضروري أو المحبذ الإسراع في ضبط أوضاع المالية العامة”.

ويتوقع صندوق النقد أن يناهز عجز الميزانية السعودية عام 2017 نسبة 9% مقارنة بـ17.2% عام 2016، كما أظهرت بيانات رسمية سعودية نشرت قبل شهرين أن الاقتصاد عانى من ركود بالربع الثاني من العام، في حين نما القطاع غير النفطي بنسبة 0.6% فقط على أساس سنوي، وارتفع معدل البطالة بين السعوديين إلى 12.8%…

عرض الصورة على تويتر
 
 

التقشف.. وسيلة أم غاية؟

دفع ارتفاع العجز في الميزانية العامة في 2015/2016 الناجم عن تراجع عائدات النفط بسبب انخفاض أسعاره، الحكومة السعودية، إلى إطلاق حزمة من الإجراءات التقشفية الواسعة في بعض القطاعات بهدف تقليل الإنفاق إلى حد ما، حيث اعتمدت السياسة التقشفية الجديدة على تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء وبعض السلع الأساسية الأخرى، وربما إلغاؤه كليًا، بالإضافة إلى دراسة إمكانية فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة للأجانب، وزيادة بعض الرسوم على تجديد الإقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية الأخرى.

وكانت الإرهاصات الأولى لهذه السياسة الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول 2016 حين أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا بتخفيض مزايا موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و250 ألف موظف من إجمالي عدد الموظفين السعوديين البالغ 5 ملايين و600 ألف موظف، حيث قرر إلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت، وخفض رواتب الوزراء ومن في مرتبتهم بنسبة 20%، كما خفض مكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%.

الزيادات في الأسعار تعد الأكبر في تاريخ المملكة، إذ تخطت المراحل الانتقالية السابقة التي كانت تلجأ فيها السعودية إلى فرض زيادات ما بين الحين والآخر، حيث تراوحت نسبها ما بين 82% في بعض المشتقات لتصل إلى 126% في مشتقات أخرى

ثم تلتها بعض الإجراءات الأخرى منها طرح المملكة لمجموعة من سنداتها الدولية للبيع بلغت قيمتها الإجمالية قرابة 67 مليار دولار لتقترب من الرقم القياسي البالغ 69 مليار دولار لإصدار سندات الذي سجلته الأرجنتين مؤخرًا، وتشير التوقعات إلى احتمالية أن تجمع السعودية نحو 17.5 مليار دولار عبر طرح السندات التي تتضمن شرائح لآجال 5 و10 و30 عامًا.

كذلك لم تترك السعودية بابًا يخفض من نفقاتها أو يزيد من دخولها إلا وطرقته في محاولة منها لتخفيف العجز في موازنتها المستمر طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة، حتى وصل الأمر إلى استهداف العمالة الأجنبية لديها.

ففي 16 من ديسمبر/كانون الأول 2017 كشفت وزارة المالية السعودية عن تنفيذ ما أسمته “المقابل المالي” على الوافدين، عبر تحصيل ضريبة مالية على العمالة الوافدة تتراوح بين 300 و400 ريال (80 إلى 106.7 دولار) شهريًا، اعتبارًا من أول 2018.

“المقابل المالي” وهو المصطلح الرسمي المرادف للنظام المتعلق بفرض رسوم على العمالة الوافدة بالمملكة، يستهدف تحقيق عائدات مادية من وراء تطبيقه تصل إلى 65 مليار ريال (17.5مليار دولار) تقريبًا خلال أربعة أعوام من الآن، كما أنه ليس الأول من نوعه، ففي يوليو/تموز الماضي، طبقت السلطات السعودية مرسومًا على مرافقي العمالة الأجنبية، يلزمهم بدفع مبلغ 100 ريال شهريًا (26.6 دولار) عن كل مرافق وتصل وفق الخطة المعدة إلى 400 ريال (106.7 دولارات) شهريًا بحلول عام 2020.

دوافع السعودية نحو اعتماد هذه السياسة الجديدة تجاوزت البعد الداخلي لتشمل إستراتيجيها الخارجية التي تتبنى فتح جبهات عدة في بعض الدول على رأسها اليمن وسوريا وغيرها التي استنزفت بصورة كبيرة الحصيلة الأكبر من إجمالي الإنفاق السعودي بصفة عامة.

فالعجز الذي تعانى منه المملكة طيلة السنوات الأخيرة جزء كبير منه يعود إلى الخسائر الفادحة التي تمنى بها الرياض في بعض الملفات الإقليمية ما دفعها للتعويض من المبالغ المخصصة للإنفاق الداخلي، مما تسبب في هذا المأزق، وهو ما أشار إليه عبد الرحمن بن محمد الزومان، رئيس وكبير الخبراء في مجموعة خبراء المخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مؤسسة غير حكومية)، بقوله: “الحرب الدائرة باليمن، والمخاطر الإقليمية متمثلة بإيران والعراق وسوريا، تدفع السعودية للتحوط أكبر في نفقاتها الداخلية، وربما استثناء عناصر الجيش السعودي من خفض الرواتب وإلغاء العلاوات المعلنة، دليل على ما أقول”.

تناقض يثير التساؤل

الإجراءات التقشفية التي اتخذتها المملكة تزامنت مع الحملة التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان بزعم محاربة الفساد وتطهير السعودية من المفسدين، اعتقل على إثرها أكثر من 200 من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين، بالإضافة إلى رجال أعمال.

جهات التحقيق السعودية ذكرت آنذاك أن هذه الحملة حصاد ثلاث سنوات من عمل هيئة مكافحة الفساد أشرف عليها ابن سلمان بنفسه في محاولة لتجفيف منابع الفساد داخل الملكة في ظل توافر العديد من الأدلة التي تدين الموقوفين بصورة كبيرة.

في الوقت الذي يهرول فيه ولي العهد الشاب لمحاربة الفساد بما يتماشى مع رؤية المملكة الجديدة الرامية إلى تخفيف النفقات لأجل محددات النمو والتدشين لمرحلة جديدة لا تعتمد على النفط، ينفق هو شخصيًا قرابة 1.3 مليار دولار من أجل شراء بعض المقتنيات الشخصية.

فبعد التقارير التي كشفت قبل أيام عن شرائه لوحة “مخلص العالم” لليوناردو دافنشي، بمبلغ 450 مليون دولار، ومن قبل، اقتناء يخت بقيمة نصف مليار دولار، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخرًا، أن ولي العهد السعودي هو “مالك قصر الملك لويس الرابع عشر، في منطقة لوفسيان قرب العاصمة الفرنسية”، وأنه اشتراه سنة 2015، بأكثر من 300 مليون دولار.

الأمر لم يتوقف عند شغف ابن سلمان بالمقتنيات الثمينة التي ترضي غروره وطموحه الشخصي مهما كانت كلفتها في الوقت الذي يرفع فيه راية الإصلاح داخل بلاده، إذ كشفت تقارير بريطانية مؤخرًا أن السعودية دفعت للأمير هاري وعروسه ميجان ماركل 60 مليون دولار أمريكي، مقابل قضائهما شهر العسل في مدينة جدة، بعد زواجهما المقرر في مايو المقبل، هذا بخلاف ما أثير بشأن موافقة تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة بالمملكة على بناء لإستاد خاص بالنادي الزمالك المصري تبلغ قيمته الأولية قرابة مليار ريال.

قصر لويس الرابع عشر الذي اشتراه ولي العهد بـ300 مليون دولار

غضب سعودي

التناقض الواضح بين السياسة المتبعة من المملكة ضد مواطنيها من فرض إجراءات تقشفية وزيادة في الأسعار بين الحين والآخر ومجالات الإنفاق الأخرى التي يقوم بها قيادات الصف الأول داخل الديوان الملكي، أثارت غضب الكثير من السعوديين، مما دفعهم للجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي لتفريغ شحنة الغضب من هذه الازدواجية في إدارة بلادهم.

تفاعل السعوديون بصورة كبيرة على “تويتر” و”فيسبوك” عبر عدد من الهاشتاغات عبروا من خلالها عن رفضهم لتلك الزيادات التي تزيد من أعباء المواطنين بصورة كبيرة في الوقت الذي تتراجع فيه الدولة عن دعمها لمحدودي الدخل غير العاملين.

البعض اتهم الحكومة بـ”استغفال” المواطنين من خلال فرض مكافآت هزيلة باليمين يقابلها أضعافها زيادات في أسعار السلع والخدمات باليسار.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!