نجلاء سليمان ومشكلة الجالية المصرية في ((إسرائيل)) ..!! بقلم هيثم حسنين/ معهد واشنطن

 

كان الفوز بلقب ملكة جمال العرب في (إسرائيل) لعام 2009 سيفًا ذي حدين بالنسبة إلى نجلاء سليمان التي ولدت لأب مصري وأم من عرب (إسرائيل). انتقلت سليمان إلى (إسرائيل) مع عائلتها في سن الخامسة وترعرعت في الناصرة. وقد استقطبت الشهرة التي اكتسبتها بفضل هذا اللقب في السادسة عشر من عمرها اهتمام وسائل الإعلام المصرية، التي شنت حملة تشهير ضدّها بصفتها مواطنة تحمل الجنسيتين المصرية والإسرائيلية. وإذ كانت تعتز بهويتها المصرية، رفضت تمثيل (إسرائيل) في مسابقة ملكة جمال العالم. ومع ذلك، لم تستقبلها أي جامعة مصرية لأنها تحمل الجنسية الإسرائيلية ومع ذلك قام رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بإسقاط جنسيتها المصرية، على اعتبار أنها لم تحصل على الإذن اللازم من وزارة الداخلية لحمل جنسيتين.

ورغم أن قضية سليمان بصفتها ملكة جمال مصرية-إسرائيلية فريدة من نوعها، لا ينطبق ذلك على المشاكل التي واجهتها كمواطنة مصرية-إسرائيلية.

وفي حين أنه ما من تعداد رسمي، أبلغني رئيس تجمع الناصرة أن هناك ما بين 3 و7 آلاف مصري يعيشون في إسرائيل. ومعظمهم متزوجين من إسرائيليات مسلمات أو مسيحيات، بينما لا يتجاوز عدد المتزوجين من يهوديات الاثني عشر. وينقسم هذا المجتمع إلى ثلاث مجموعات.

تشمل المجموعة الأولى المهاجرين غير الشرعيين الذين يتمثل هدفهم الأساسي بادخار أكبر قدر ممكن من الأموال قبل عودتهم إلى مصر. أما المجموعة الثانية، فتتألف من المقيمين الدائمين الذين يدفعون الضرائب ويتمتعون بالحقوق والمزايا الكاملة على غرار الرعاية الصيحة والضمان الاجتماعي والمشاركة في الانتخابات البلدية. وتضم المجموعة الثالثة أولئك الذين قرروا أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين رغم الوصمة المحيطة بهذا القرار في مصر – بما فيه حظر محتمل مدى الحياة على العودة إلى بلدهم الأم – ويُعزى السبب بشكل رئيسي إلى المزايا المترافقة مع حمل جواز سفر إسرائيلي.

فتعود جذور المجتمع المصري في إسرائيل إلى معاهدة السلام المهمة المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979، عندما تدفق مئات الآلاف من الإسرائيليين عبر الحدود لزيارة جارتهم من الجهة الجنوبية. وفي حين كان هذا الحدث بمثابة نعمة للإسرائيليين على اختلاف مشاربهم، كانت لحظة عظيمة لعرب إسرائيل على وجه الخصوص، فهي الفرصة الأولى التي تتاح أمامهم منذ قيام إسرائيل بالسفر إلى الدول العربية المحيطة بها.

وغالبًا ما ظهرت شرارات الحب على طول النيل حيث وجد عرب إسرائيل والمصريون شركاء حياتهم بين أخصامهم السابقين. فتزوج بعض المصريين وسافروا مع زوجاتهم إلى إسرائيل، في حين بقي آخرون وعاشوا في مصر. ولكي يتمكن عرب إسرائيل من الإقامة في مصر، اضطرت الحكومة المصرية إلى منح تراخيص تجدد كل ثلاث سنوات. ومع مرور الوقت، ازداد الوضع تعقيدًا، إذ أصبحت الحكومة تصدر تصاريح الإقامة لستة أشهر فقط. وفي نهاية المطاف، توقفت سلطات الأمن المصرية عن إصدار تأشيرات الدخول نهائيًا، ما أرغم الزوجات الإسرائيليات على مغادرة البلاد وترك عائلاتهن هناك. بعد ذلك، وجد عدد كبير من المصريين أنفسهم مرغمين على الانتقال إلى إسرائيل مع أولادهم للم شمل العائلة.

يُذكر أن إسرائيل توفر بيئة مناسبة. فلدى وصولهم، يُمنح المصريون إقامة مؤقتة لستة أشهر لكن لا يُسمح لهم بالعمل. وعند انقضاء هذه الفترة، يحصلون على بطاقة هوية مؤقتة، تجدد كل عام، ويُعاملون كمواطنين إسرائيليين يتمتعون بمزايا تشمل تصريح العمل والضمان الصحي. إلا أن القيد الوحيد الذي يبقى مفروضًا عليهم هو حظر الاقتراع في الانتخابات الوطنية.

وبعد مرور خمس سنوات، يُمنح المصري إقامةً دائمة، ما يتيح له تقديم طلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية. ويفضل معظمهم عدم نيلها لأن ذلك سيجعل عودتهم إلى مصر مستحيلة ويهدّد بسحب الجنسية المصرية منهم. وكما أخبرني صاحب سوبرماركت مصري في الناصرة، “عندما نذهب إلى السفارة [المصرية] في [تل أبيب] لتجديد جوازات سفرنا، تشعر أنهم يقبلون وجودنا هنا على مضض لكن الوضع يبقى جيدًا طالما أننا لم نحصل على الجنسية الإسرائيلية“.

وبالنسبة إلى المصريين الذين نالوا الجنسية الإسرائيلية، فقد فعلوا ذلك عمومًا لأنهم فقدوا الأمل بالعودة إلى بلادهم. وفي هذا الإطار، شرح رجل أعمال مصري-إسرائيلي الوضع قائلًا: “لا يطرح السفر إلى مصر من مطار بن غوريون مشكلة، بل العودة إليه. فسلطات المطار المصرية تطلب منا الاستحصال على إذن بالسفر من الجهاز الأمني في البلاد لكي نتمكن من العودة إلى إسرائيل”. وقد يستغرق الاستحصال عليه بين شهر إلى سبع سنوات لأنه لا بدّ من الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية والاستخبارية على السواء

وقد أخبرني أحد المصريين الذين يحملون إقامة إسرائيلية دائمة ما يلي: “أعود لأسبوعيْن من أجل زيارة عائلتي ورؤية أصدقائي، لكن الشيء الوحيد الذي يشغل بالي هو ما إذا كنت سأتمكن من السفر أو لا”. وشرح: “لا يأخذون بعين الاعتبار أنه لدينا عائلة في إسرائيل تعتمد علينا، وأنه لدينا قروض لدفعها وغيرها من الموجبات المالية التي يجب استيفاؤها إلى جانب زوجاتنا. حتى أن مجتمعنا شهد على حالات حيث توفي أهل بعض الأشخاص ولم يتمكنوا من العودة لحضور مراسم الدفن إذ يعلمون أن السلطات ستصعّب عليهم العودة“. 

ونتيجة هذه العملية، بدأ المصريون الذين يعيشون في إسرائيل بإيجاد وسائل بديلة لمغادرة مطار القاهرة من دون التسبب بمشاكل. وبدلًا من حجز رحلة مباشرة إلى تل أبيب، كانوا مستعدين لتحمل عبء تكبّد مصاريف إضافية لشراء تذكرة ذهاب وإياب إلى الأردن، من أجل إقناع السلطات أنهم سيعودون إلى مصر. ومن الأردن، يحجزون رحلات إلى تل أبيب.     

وتصبح المشكلة أكثر تعقيدًا بالنسبة إلى أطفال مثل نجلاء سليمان حصلوا على الجنسية الإسرائيلية تلقائيًا بما أن أحد والديهم إسرائيلي. كما تمّ طرد رجل آخر، من والد مصري ووالدة من عرب إسرائيل، من مصر بموجب إشعار مدته 48 ساعة بعدما سحبت إحدى المحاكم جنسيته المصرية لأنه يحمل جنسيتين. وانتقل إلى إسرائيل تاركًا وراءه زوجة وأطفالًا لا يمكنهم الانضمام إليه لأن السلطات المصرية لا تسمح لمواطنيها بالسفر إلى إسرائيل.    

ورغم السلام والتمثيل الدبلوماسي المتبادل والتعاون السياسي والأمني الرفيع المستوى القائم منذ نحو 40 عامًا، لا تزال الحكومة المصرية تتردد في قبول إسرائيل بالكامل. وينعكس هذا السلوك في موقفها تجاه المصريين المقيمين في إسرائيل: حيث يعتريها الشك بروابطهم بمصر في أحسن الأحوال، والارتياب المطلق في أسوئها. فهل من الممكن ألا يكون شخص يحمل الجنسيتين المصرية والإسرائيلية جاسوسًا؟      

وقد شرح مساعد سابق لوزير الخارجية المصري السفير حسين هريدي وجهة النظر هذه بوضوح خلال مقابلة أُجريت معه مؤخرًا: “مصر هي العدو الأول لإسرائيل في المنطقة العربية نظرًا إلى أنها القوة الأكبر والأقوى في المنطقة. وطريقة التفكير الإسرائيلية لن تتغير أبدًا وستحاول دومًا إضعاف مصر باعتبارها قوة عربية“.

وتابع قائلًا إن الذين يحملون الجنسيتين المصرية والإسرائيلية يمكن أن يكونوا أداةً في حرب الحكومة الإسرائيلية على مصر: “فاستنادًا إلى القانون الإسرائيلي، يصبح ابن رجل مصري تزوج يهودية مواطنًا إسرائيليًا؛ بالتالي، يشكّل هذا خطرًا فعليًا إذ إن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لأي بلد سيكون ولاؤه؟ بالطبع لإسرائيل لأنه تربى هناك. من جهة أخرى، نحن نجهل العلاقة التي تجمع المرأة اليهودية التي تزوجها بالجهاز الأمني الإسرائيلي و”الموساد”. بعدها، يأتي الابن إلى مصر بصفته رجل أعمال ويحصل على كل المعلومات التي يريدها ضدّ مصر لصالح إسرائيل“. 

ونقلت وسائل الإعلام المصرية، التي تعكس إلى حدّ كبير خط الحكومة الرسمي، هذا الهجوم على المصريين الذين يعيشون في إسرائيل من وصف سلبي في البرامج الحوارية إلى قصص منحازة في الصحف. ولسنوات، منعت هذه الحملة أي دعم مصري علني للمجتمع المصري في الدولة اليهودية في وقت كان يخشى فيه عدد كبير من المقيمين في إسرائيل الدفاع عن حقهم في التنقل بحرية بين البلدين.

لكن هذا العام، تمكّنت هذه المجموعة من الناس من التعبير عن رأيها بحرية وصراحة. فبعد سنوات طويلة من ممارسة الضغوطات على الحكومة المصرية من خلال الإعلانات في الصحف والرسائل إلى وزارة الهجرة، طلبت السفارة المصرية في تل أبيب من هذا المجتمع إضفاء الطابع الرسمي على وضعه. وفي شباط/فبراير، وافقت الحكومة الإسرائيلية على إنشاء “الجالية المصرية بإسرائيل “التي لا تبغي الربح “بهدف تسيير شؤون الأقلية المصرية في إسرائيل”. وتمّ تعريب نظام الجمعية وإرساله إلى السفارة المصرية.

فهل يمكن لهذه الجمعية أن تكسر كافة العوائق بين إسرائيل ومصر من أجل تحسين حياة أصحاب الجنسيتين المصرية والإسرائيلية؟ يُعتبر السماح بالسفر الحر لهذه المجموعة الصغيرة بين البلدين مشكلة ثانوية مقارنةً بالمشاكل الأضخم بكثير الموجودة على أجندة القاهرة-تل أبيب – ابتداءً من تنظيم “داعش” في سيناء مرورًا بمستقبل غزة ووصولًا إلى التجارة الثنائية. لكن رغم أنه خطوة صغيرة باتجاه إنشاء علاقات أوثق، سيشكل منصةً مهمة للانطلاق.  

هيثم حسنين هو زميل “غليزر” في معهد واشنطن لعام 2016-2017.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!