قبول الإختلاف وصل الحضيض… بقلم مروان المعشّر

عندما كنت وزيرا للخارجية، شكلت لجنة استشارية من شخصيات عامة كان لها باع في الشأن الخارجي، وذلك للاستماع لوجهات نظر مختلفة حول المواقف الأردنية والاستفادة من خبراتهم الطويلة في الشأن السياسي والدبلوماسي. فكان أن اتصل رئيس الوزراء معاتبا لأن إحدى هذه الشخصيات لها مواقف متباينة مع الموقف الرسمي في حينه. يومها استغربت هذا الاتصال وقلت للرئيس إنني لو أردت أن أسمع تكرارا للموقف الرسمي فلا حاجة للجنة أساسا، وأن الهدف من تشكيلها هو تماما سماع آراء متباينة مع الموقف الرسمي علها تؤكد أو تثري أو تصحح أو تهذب من هذا الموقف.

إن كنت استغربت هذا الموقف قبل أكثر من عقد من الزمان، فقد أصبح اليوم سياسة عامة. ولم يعد الفضاء السياسي الرسمي مستعدا لسماع أي رأي مخالف، وأقل ما يقال عن الذين لهم موقف أو رأي مغاير إنهم “يغردون خارج السرب”، باعتبار أن هذا السرب مقدس ومعصوم من الخطأ لا يحتاج إلا رفا من الحمام يغرد معه أو يصمت تماما.

كنّا قديما في مرحلة كانت المعارضة مغيبة عن الإعلام الرسمي، أما اليوم فوصلنا مرحلة أصبح فيها العديد من رجال الحكم أنفسهم مغيبين بالرغم من إلغاء وزارة الإعلام وإنشاء مجلس إدارة “مستقل” للإذاعة والتلفزيون. كم كنت ساذجا قبل واحد وعشرين عاما حين كتبت قانون إلغاء الوزارة يوم كنت وزيرها، فإذا بالتدخلات لا تأتي بالضرورة من الوزارة أو الحكومة.

وصلنا اليوم إلى الحضيض في مجال الاستماع لجميع الاّراء؛ أصبح من الممنوع على رؤساء وزارات ورؤساء مجالس أعيان سابقين وغيرهم الظهور على وسائل الإعلام الرسمي. بيت القصيد ليس الظهور من عدمه، فوسائل الإعلام الرسمية لا تشاهد أصلا من قبل غالبية المواطنين، ووسائل الإعلام الأخرى “أكثر من الهم على القلب”، ولكن هذه الممارسات من خارج الحكومة تظهر مدى ما وصل إليه الفضاء السياسي الرسمي من انغلاق لا يمكن أن ينتج عنه تطوير صحي لأي حياة سياسية حقيقية.

في ورقته النقاشية الأولى يقول جلالة الملك إن “الديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البناءة وقبول التنوع والاختلاف في الرأي”. ويضيف أن الاختلاف “ليس شكلا لانعدام الولاء” وأن “الحوار فيما بين أصحاب الآراء المختلفة هو جوهر الديمقراطية، والديمقراطية هي الأداة التي تجعل من الحلول التوافقية أمرا يمكننا من المضي إلى الأمام”.

واضح أن أجهزة السلطة التنفيذية الأخرى لا تطبق هذا الكلام الراقي إطلاقا، ويبدو أن دائرة الحوار، بفعل البعض ممن ما يزال يؤمن باحتكار الحقيقة، ماضية في الانكماش وغير عابئة بكل الأفكار البديلة التي تقدم في مجالات الإصلاح السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وحتى في مجال كالتعليم حيث الدولة مهتمة بتطويره، لم تكلف الدولة عناء الاتصال بأغلب من كتبوا في هذا المجال وقدموا اقتراحات وازنة كالدكتور ذوقان عبيدات وحسني عايش وغيرهما.

طالما بقينا في وضع تشعر فيه أجهزة السلطة التنفيذية أنها تمتلك جميع الحلول لعموم المشاكل، وأنها في غنى عن “وجع الرأس” الذي قد يأتي من خارجها، وطالما تشبث البعض بامتيازاته ومصالحه الخاصة على حساب الصالح العام، من الصعب تصور كيف سنخرج من أزمتنا السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وكيف يمكن أن نبني مجتمعا حداثيًّا. عبر تاريخ المملكة، لم تكن دائرة الحوار ضيقة كما هي اليوم، ولم تكن فجوة الثقة واسعة كما هي اليوم.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!