ثلاثة عوامل يجدر بالولايات المتحدة النظر فيها عند تقييم الدور الإيراني في هجمات اليمن.. بقلم مايكل سينغ

singh_winep_0017-85x128

في أعقاب إطلاق الصواريخ من الساحل اليمني في محاولة لاستهداف مدمّرة تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر (دون إصابتها)في 9  و 12 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى مسؤولون أمريكيون اللوم بشكل قاطع على المتمردين الحوثيين الشيعة الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية. فردّت القوات الأمريكية على الاعتداءات التي تعرضت لها سفينة “يو أس أس ميسون” بضرب مواقع الرادارات التابعة للحوثيين.

إلا أن المسؤولين الأمريكيين كانوا أكثر حذراً  في وصف الدور الإيراني في الهجمات التي تعرضت لها السفن الأمريكية وسفينة أخرى تابعة للإمارات العربية المتحدة. ومن الطبيعي أن تقع الشكوك على إيران: فطهران تمدّ الحوثيين بالأسلحة كما قدمت التدريبات وأنواع أخرى من المساعدة للمتمردين وفقاً لبعض التقارير، شأنها شأن المليشيا اللبنانية «حزب الله» التي تعمل بالوكالة. وفي هذا السياق صرّح “رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ” الأمريكي جون ماكين أنه من المرجح أن تكون إيران قد زوّدت الصواريخ التي أُطلقت على سفينة “يو أس أس ميسون”، إلا أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين راوغوا  بهذا الشأن بقولهم إنه من المحتمل أن يكون قد تم توفير الصواريخ من قبل إيران ولكن من الممكن أيضاً أن تكون هذه الصواريخ قديمة الطراز استولى عليها الحوثيون من ترسانة الحكومة اليمنية.

لماذا هذا التحفظ؟ كان من الممكن أن تؤدي هذه الاعتداءات إلى مقتل مئات البحارة وأفراد الخدمة الأمريكيين. إن إلقاء اللوم علناً على إيران هي مسألة لا يستهان بها. وأن مثل هذا القرار ينطوي على ثلاث خطوات.

أولاً، تقتضي هذه الخطوة جمع الأدلة وتقييمها حيث لا يكتفي محللو الاستخبارات بعرض الاستنتاجات على كبار صناع السياسة بل يقدّمون لهم أيضاً دلائل على ثقتهم بهذه الاستنتاجات. ولا بد من تقديم الطرح نفسه للدول الأخرى المعنية، أي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وينبغي أيضاً رفعه إلى الكونغرس الأمريكي. وهناك سيتم التعامل معه وفق اعتبارات سياسية حزبية – على غرار ما حدث حين قدمت إدارة الرئيس بوش طروحاتها حول الدور الإيراني في استخدام العبوات الناسفة المرتجلة التي استخدمها المتمردون العراقيون في منتصف العقد الأول من القرن الحالي – وذلك بسبب الطبيعة المتضاربة للنزاع في اليمن ولسياسة الولايات المتحدة نحو إيران على حدّ سواء.

أما الخطوة الثانية فتقوم على المقارنة بين فائدة الإعلان عن التقييم الأمريكي والتكاليف الناجمة عنه. وقد تكون هذه التكاليف ذات طابع استخباراتي أو عملياتي؛ على سبيل المثال، المخاطر المتعلقة بالكشف عن معرفة الولايات المتحدة (أو حدود تلك المعرفة) بالعمليات الإيرانية. كما قد تكون ذات صلة بالسياسة مثل المخاوف بشأن عرقلة الاتفاق النووي مع إيران، أو المساعي المبذولة للتوصل الى وقف لإطلاق النار في اليمن، أو مجرد الرغبة في القيام بمبادرة دبلوماسية سرية عوضاً عن هذا الإعلان أو قبل نشره، ولكن قد تكون هناك أيضاً تكاليف عدم نشر ما تعرفه الولايات المتحدة: فثمة احتمال بأن تتسرب المعلومات في كافة الأحوال، أو أن تتزعزع مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها. ولذلك تستدعي هذه القرارات التحلي بالحكمة، ولكن الفارق بين الحكمة وعدم الثقة بالنفس أو التحيز بين الوكالات يمكن أن يكون دقيقاً.

وأخيراً، إذا اعتُبرت إيران مسؤولة عما حدث ولا بدّ من الإعلان عن هذه المعلومات، ينبغي النظر في كيفية التصرف حيال ذلك. إن إلقاء اللوم على إيران أو أي طرف آخر سيؤدي حتماً إلى دعوات لاتّخاذ إجراءات، ولذلك يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى تحديد هذا الأمر (وربما القيام بأي ردّ) قبل استعراض المعلومات المتوفرة. وحتى إذا كانت المعلومات الاستخباراتية موثوقة، فقد تنتهي العملية عند هذا الحد إذا اعتُبر الإجراء المطلوب متهوراً أو غير ضروري، وفي هذه الحالة سيكون للعرض العلني للمعلومات مساوئ تفوق حسناته. ومن الممكن أيضاً أن تعود العملية إلى الخطوة الأولى. وقد يرغب المسؤولون المقتنعون أساساً بالطرح الاستخباراتي، في الحصول على دلائل إضافية قبل إعطاء الإذن بالتصرف، سواء من باب الحرص أو بدافع الحاجة إلى إقناع الأطراف المتشككة داخل البلاد وخارجها. ومثلما تشكل الوقائع أساساً للأعمال التي تقوم بها الولايات المتحدة، فإن الأمور التي تميل واشنطن إلى القيام بها أو تجنّبها تؤثّر كذلك في كيفية تفسير الوقائع، سواء أكانت إيجابية النتائج أم سلبية.

ومن غير الواضح أي من هذه الخطوات – إن وُجدت – قد توصلت إليها إدارة الرئيس أوباما. كما لم يتّضح ما إذا كان يجب اعتبار الدليل على ضلوع إيران في الضربات على مدمرة “يو أس أس ميسون” شرطاً أساسياً لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً ضد انتشار الأسلحة الإيرانية في الشرق الأوسط، علماً بأن هذا الانتشار لا يؤجج انعدام الاستقرار في اليمن فحسب، بل في لبنان وسوريا وغزة وأماكن أخرى أيضاً. 

مايكل سينغ هو زميل “لين سوينغ” الأقدم والمدير الإداري في معهد واشنطن.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!