مطعم تاجران ونفق سامي علوان

علي السوداني// 5 نيسان 2015

أكاد أسمع الليلة صوت المطارق الضخمة التي تضرب رؤوس قضائب الحديد، وتزرعها على جانبي نفق ساحة التحرير، منعا من انزلاق التربة.

اليوم سنطير بكم ونحطّ في حلق زقاق جميل من درابين بغداد العزيزة، ومفتتح السبعينات المبهجة اللذيذة، حيث دكان أبي الذي تشيل واجهتهُ مسمى ألبان فوزي. هي الدربونة الطويلة التي تفصل عمارة مرجان عن مطعم تاجران، ودكاننا الصغير الذي يثلم من جسم المطعم زاويته اليمنى. قيل عنه وعن مالكه الأول فوزي بأنه كان يقدم أفضل أصناف اللبن بنوعيه الشنينة والرائب، وهذا أمر أصدقه تماما إذ مازال طعم لبنه يلبط فوق اللسان والذاكرة.

لبن مُقيمَر وشنينة برغوة العوافي والحليب يصل الدكان كلّ صباح محمولا بسيارة حميد الضخم وعلى شكل دبّات أو جرات ألمنيوم من وزن الخمسين كيلو ربما، وهذا الثقل سيتكفّل الصانع الماهر القويّ سبتي الكردي برفعه نترا إلى طبقة المحلّ العليا، حيث تجري عليه عمليات الغلي والتخمير والتلحيف ومن ثم صبّه بطاسات أو كاسات كبيرة وهذه عادة ما تُباع للزبائن الذين يتركون طاساتهم عندنا، وكاسات صغيرة تباع للزبون الذي سيقف خارج الدكان ومائدته المرمرية، وغالبا ما تشتهي الناس هنا تناول اللبن الرائب أو الشنينة مصحوبا بكيكة سادة أو كيكة أم الكريم.

في باب الزقاق العريض، ثمة باعة عشوائيون وبضاعة متناقضة، فسيّد غازي يبيع بطاريات الراديو الصغيرة والكبيرة، وعبد كوفي تشيل عربانته ملابس داخلية للجنسين، وعندك ثلاثة من الشباب، يضعون حقائب سفر كبيرة مكتظة بالجواريب وكانت صيحتهم هي معمل الكوت ومعمل الحلة ومعمل الشعب دلالة الجودة والراحة. أما مطعم تاجران الذي كان يديره الولد الوسيم عباس، فليس بمقدوري حتى الآن نسيان طعم سيخ الشاورما أو الكص المتوّج بالشحم المبهّر والذي ينتج عنه أحيانا غداء فاخر اسمه كص على تمن.

ستكون بعض خميسات الأسبوع عبارة عن عزومات لحفلة عرس حيث يأتيك المحتفلون بكثرة، يلتهمون طيب الطعام من تاجران مصحوبا بلبننا الفذّ، ومختموما بإستكان شاي من البائع حربي، وقد شهدت هكذا ولائم عمليات اندساس بعض الصعاليك الجائعين بين أهل العروسة والعريس، لكن سرعان ما يتمّ كشفهم على يد عبدالرزاق الغليظ وعباس الأقرع.

أكاد أسمع الليلة صوت المطارق الضخمة التي تضرب رؤوس قضائب الحديد، وتزرعها على جانبي نفق ساحة التحرير، منعا من انزلاق التربة، حيث فوجئ الحفارون بنزيز ماء قوي يخرج من بطن قاع النفق، فعالجوه بساحبات المياه وأرجعوه إلى أصله دجلة الذي كان يتغنوج ويغني ويسكر على مبعدة رشفة كأس من نفق المقاول الشاطر سامي علوان العاني.

كان النفق معلما بديعا بدائرته الضخمة والزرع المسور بعشرات الدكاكين الصغيرة، والمكتشف المذهل الذي وقع عليه الفتيان الفقراء، حيث الصعود والنزول على درجات سلالمه الكهربائية الجديدة، كانت لعبة مفرحة ومجّانية متاحة.

نقلا عن العرب

http://www.kitabatnews.com/

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.