«الدنيا ترقص» والمرأة مطالَبة بضبط الإيقاع…!!!

10137497891457376323

حمّل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المرأة المصرية مهمة دعم مصر في هذه الفترة الصعبة. وعلى رغم أن الرئيس دأب على مخاطبة المرأة المصرية باعتبارها عماد البلاد ومصدر دعم للعباد، إلا أن مناشدته لها هذه المرة جاء في سياق اقتصادي باعتبارها عمود البيت ورأس الأسرة المدبّرة.

ولطالما كان تدبير شؤون البيت والموارد مهماً كانت شحيحة وضبط الموازنة من أجل ضمان معيشة أفضل للأسرة، مهمات تقوم بها المرأة المصرية. لكن ضبط الإيقاع، وترشيد الإستهلاك، وتقليص الهالك تحوّلت من خانة «شطارة ست البيت» إلى «ضرورة» حتمية لا يمكن أن تقوم بها إلا المرأة العالمة ببواطن أمور الأسرة والمطلعة على بنود الإنفاق والقادرة على تحديد الأولويات.

واعتبر بعضهم أولوية الخروج من عنق الزجاجة الإقتصادية المطبقة على أنفاس مصر والتي وُضع جانب كبير منها على كاهل المرأة، اعترافاً من قبل النظام بقدرة المرأة على إصلاح الحال، وتعامل معها البعض الآخر وكأنها استغلال مدروس من قبل الرئيس لشعبيته بين المصريات، لا سيما أنه أول رئيس يشيد مرات بقدرات المواطنات ومشاركتهن على الساحة، بل ومبادرته للإعتذار لهن بعد واقعة التحرّش الشهيرة في ميدان التحرير في عام 2014، ولسيدة المنيا التي تمت تعريتها من قبل متطرّفين.

لكن التطرّف أشكال وألون، منه ما هو ديني الربح من تيك توك ومنه ما هو سياسي، وعادة ما يحمّل على النساء، أملاً في أن يكنَ الحلقة الأضعف على طريق المكاسب السياسية وحروب المصالح. وقد حتّمت مصلحة موقع جريدة مصرية تتخذ من شعار «صوت المستضعفين» شعاراً لها، أن تنقل مناشدة الرئيس حرفياً «المرأة المصرية من فضلك قفي إلى جانب مصر» ومعها صورة لفتاة مصرية ترقص في الشارع وسط مجموعة من المواطنين يحملون أعلاماً مصرية.

ولخّصت الصورة موقف الجريدة في تصنيف المؤيدات للنظام باعتبارهن من «الراقصات» على أساس أن الثقافة المصرية «المحافظة» تصنّف من ترقص في الشارع «سيئة السمعة»، ما أشعل غضب كثيرين.

واتخذ المجلس القومي للمرأة إجراءات قانونية لإقامة دعوى قضائية ضد الموقع لـ «انتهاكه كرامة سيدات مصر».

وطالب في بيان شديد اللهجة بأن تحقق نقابة الصحافيين في الواقعة. ووصف تناول المرأة المصرية عبر صورة الفتاة الراقصة بـ «الأمر المرفوض تماماً»، كونه إهانة وانتقاصاً شديداً من شأن كل مصرية، واستخفافاً بدورها في المجتمع.

ويعتبر المجتمع المصري، الذي بات في السنوات الأخيرة يصنّف المرأة تصنيفاً قائماً على الأخلاق والفضيلة والتديّن عبر مظهر بعينه لو حادت عنه تعتبر «سيئة السمعة» أو «ناقصة الدين والأخلاق»، من ترقص في الشارع منحرفة أخلاقياً ومنبوذة اجتماعياً. كما أن استخدام الصورة في هذا السياق السياسي لم يلق بظلال سياسية فقط على إنتماءات مؤيدي النظام، لكنها امتدت لتكشف تجذّر دونية المرأة حتى بين أولئك الذين يدعون الإيمان بالمساواة والمواطنة.

فالموقع الذي يفتح بابه لأصحاب الفكر التقدّمي والذين يصبون غضبهم دائماً على هيمنة المجموعات الدينية على الساحة وتحقيرها لشأن المرأة، وقع في الفخ عينه.

وقبل أيام من نشر الصورة، نشر أحد كتّاب الموقع مقالاً جريئاً انتقد فيه استمرار تجاهل ملف المرأة بعد «ثورة يناير». وجاء فيه: «من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرّك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرة. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كردّ فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرّش ليس مجرد حدث يومي كما كان، بل تطوّر إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون في شكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدّي والسباب، إضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطاول المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً».

وبين تجاوز المرأة في حق المجتمع عبر الملبس والحديث وتجاوز المجتمع في حق المرأة تحت ستار الملبس والحديث، تدور دوائر لا أول لها أو آخر. ففي حين يعتقد بعضهم أن مصر ماضية قدماً في طريق إزالة الغبار الرجعي الذي لحق بالمجتمع برمته والذي يلخّصه حال المرأة المصرية، وذلك بعد تنحية الجماعات الدينية بعيداً من الحكم، يبدو واضحاً تماماً أن الرجعية وحصر المرأة في صور نمطية بعينها ليس حكراً على الجماعات السياسية الملتحفة بالدين، لكنها باتت متجذّرة في عقول ملايين وقلوبهم.

إنهم ملايين تابعوا أزمة المذيعة ريهام سعيد حين شهّرت بفتاة عرفها الإعلام بـ «فتاة المول» بعدما تعرّضت للتحرّش والضرب في أحد المراكز التجارية، واتهمتها سعيد بإنها سيئة السمعة، وذلك بعدما نشرت لها صوراً شخصية ترتدي فيها ملابس اعتبرتها غير لائقة وتعني أن صاحبتها «غير محترمة». ولم يتــوقف خــلط أوراق المرأة المصرية بالملابس بالاحترام عــند هذا الحد، فــقد بادر المدافعون عن «فتاة المول» إلى استخدام الثالوث عينه مهددين المذيعة بنشر صور «غير لائقة» لها.

وبين اللائق وغير اللائق، تمضي المرأة المصرية قدماً في تفاصيل حياة بالغة الصعوبة، حيث دور سياسي جرى العرف أن يستخدم فيه سلاح التحرّش الجنسي وقت الحاجة، وآخر إقتـــصادي يوكــل إليها من أجل الترشيد وأمــــلاً في التقليص، وثالث يقيّدها بأغلال السمعة والأخـــلاق والفـــضيلة بناء على ما ترتدي، ورابع يعـــتبرها مواطنة كاملة الأهلية بناء على نصوص الدستور وبنود القانون، وآخر يضعها قيد التفسيرات الدينية والاجتهادات الشخصية ووفق ما يتراءى للمستفيدين.

شاهد أيضاً

أول راتب وذكريات لا تنسى.. بقلم ضياء الوكيل

لا يخلو العراق من أهل الخير والضمائر الحيّة (والحظ والبخت)كما يقال، لكنهم كالقابضون على الجمر في زمن الفساد والفتنة..