أكثر من جاكسون في العراق

أكثر من جاكسون في العراق

غسان الكاتب
3-24-2015 7-23-49 PM

لم يكن فوز الرئيس اندرو جاكسون سابع رؤساء الولايات المتحدة بالانتخابات عام ١٨٢٩حدثا عاديا ، بل بالعكس سعى الرجل العسكري العنيد الى رد الجميل سريعا لناخبيه من اعضاء حزبه فقرر تعيينهم جميعا في المناصب الادارية بدلا من شاغليها الاصليين.. فاوجد بعمله هذا ما يسميه علماء السياسات العامة بنظام الربط او الغنائم الذي يقوم على الربط بين الادارة السياسية والادارة التنفيذية.

وقد ادى تطبيق هذا النظام الى تغييرات مهمة وجوهرية على الصعيد السياسي والمجتمعي والخدمي في الولايات المتحدة آنذاك ، وبالشكل التالي:

انشقاق الحزب الحاكم وتصارع تيارين داخله بين مؤيد ورافض ، وهو ما ادى الى ظهور نظام الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما بعد ، والاخير اسسه جاكسون.

احداث شرخ كبير في المجتمع الامريكي اذكى من خلاله الاقصاء واستئثار انصار جاكسون بالمناصب روح التعصب بين المؤيدين والرافضين لهذا النظام.

تلكؤ الادارة التنفيذية نتيجة الخلافات السياسية اولا؛ جهل شاغلي الخدمة العامة الجدد بمفاهيمها ثانيا؛ وتراجع الخدمات ثالثا ، ما انعكس ذلك سلبا على المجتمع والاوضاع الاقتصادية والحياة اليومية عموما وعلى المواطن الامريكي خصوصا.

واذا كانت خطوات الرئيس جاكسون وتعصبه الى اعضاء حزبه وتحويل المؤسسات العامة غنيمة لهم على حساب الآخرين تسمى اليوم الجاكسونية ، فإنها اقرب ما تكون الى المحاصصة الحزبية والطائفية المطبقة في العراق منذ ٢٠٠٣ ، فكل من يستلم وظيفة عامة او يستوزر او يتولى رئاسة معينة يتجه قبل كل شيء الى توظيف كافة الامكانيات لخدمته شخصيا والى تعيين اقاربه اولا وابناء عشيرته او قوميته او طائفته ثانيا واعضاء حزبه ثالثا ، ولا ينظر الى المواطنين من كفاءات وخريجين جدد بل يترك ذلك الى السياقات والضوابط التي لا تراهم بل ترى مبالغ الرشوة والفساد التي تؤهلهم لتبوأ اي وظيفة صغيرة كانت ام هامشية.

واذا كانت الدول اليوم تصنف بمقدار ما تقدمه من خدمات لمواطنيها بين دولة خدمات ودولة رفاهية وتتسابق في اجتذاب الكفاءات وتقديم التسهيلات لهم من ابناء مواطنيهم وحتى من الاجانب ، فإننا ما زلنا في اطار الدولة الحارسة او دولة الحماية التي سادت في القرون الوسطى والتي لا تقدم شيئا يذكر من خدمات لمواطنيها سوى الحماية من الاعتداءات الخارجية ، ولا تعمل على اجتذاب الكفاءات بل الى توفير اسباب هجرتهم او حتى طردهم. ولكي لا نظلم مؤسساتنا الخدمية لاننا نتلقى خدمات نسبية في مراكز المدن ، اما في اطرافها والقرى والارياف فلا وجود لاية خدمات ممكن ان تسمى اساسية.

واذا كان الرئيس الامريكي التاسع هنري قد قضى على الجاكسونية عندما سرح كل من توظف على اسس حزبية ووضع مباديء ومعايير جديدة للخدمة العامة تشمل الجميع ممن يكون صالحا لها دون النظر الى انتمائه الحزبي ، فان العراق لن يرى هذه الخطوة في ظل الظروف الحالية ، ليس لان لا هنري لدينا بل لوجود.. اكثر من جاكسون.

http://www.kitabat.com/ar/page/09/03/2015/46226/%D8%A7%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.