شبكة الإعلام العراقية نموذج للإصلاحات المتعثرة والمؤجلة…!!!

شبكة الاعلام العراقي

شبكة الإعلام العراقية نموذج للإصلاحات المتعثرة والمؤجلة

فيصل الياسري

فيصل الياسري

الناس يخشون أن تصاب قرارات الإصلاحات بفيروسات الإصلاحات والتغيرات التي تراوح مكانها منذ سنتين في شبكة الإعلام العراقية.
تجسم حالة شبكة الإعلام العراقية إلى حد كبير الحالة العامة للحكم أو الحكومة العراقية منذ الاحتلال حتى اليوم، فهناك مظاهر تكاد تكون متطابقة أو متماثلة بين الحالة الخاصة لشبكة الإعلام والحالة العامة للحكومة، فكلاهما وضع ملامحهما المحتل أو من يمثله، ووضع على رأسهما أشخاصا جلبهم معه من الخارج، هكذا كان في مجلس الحكم، لوضع أسس النظام الجديد والحكومة العراقية التي ينبغي أن تقود التغيير وهكذا كان الأمر في شبكة الإعلام العراقية التي كان من المفروض أن تؤسس لإعلام مرئي ومسموع ومقروء جديد في مرحلة التغير الجذري في الحكم والسلطة، تحت ظل “ديمقراطية” هلامية غامضة. أي أن تلك المرحلة كانت تتطلب أن تتوفر لشبكة الإعلام العراقية ليست فقط القدرة والمهارة التقنية الهندسية في البث والإنتاج، وإنما كانت تتطلب قبل ذلك قيادة تتمتع بفكر سياسي ناضج وواضح، ومفاهيم إعلامية ماهرة صحفيا وتخطيطا ووعيا بمهام الإعلام في أوضاع جديدة… فماذا حدث؟

جاء المحتلون بسيدة عراقية مهاجرة، وجدوها أمامهم في إحدى المدن الأميركية، وقيل لهم إنها تلفزيونية وإذاعية سابقة في العراق ونصبوها رئيسة لشبكة الإعلام العراقية في أول فترة الاحتلال، ممكن تكون “خوش بنية” مثل ما يقول العراقيون، وحبابة، ولطيفة، وبنت ناس، ولكنها بالتأكيد ليست لها علاقة بالفكر الإعلامي والنضوج السياسي المناسب لمرحلة ما بعد الاحتلال مباشرة، إذ لم تكن قبل ذلك سوى مصممة ديكور وملابس ومذيعة برامج سياحية في الإذاعة والتلفزيون في الثمانينات، فماذا فعلت هذه السيدة “الحبابة” التي جاءت مع الأميركان؟ جلبت معها –أو دعت في ما بعد– معارفها في المهجر ونصبتهم في دوائر الشبكة وأبعدت كل خبرة عراقية ناضجة موجودة بالداخل وجمدت الكثير من العناصر المحلية، وتفرعنت بأوامرها وقراراتها خوفا من المنافسة وضجرا من معرفتهم السابقة بها وبقدراتها المهنية.

ومع انتهاء فترة مجلس الحكم انتهت فترة تلك “القيادة” الإعلامية “المودرن”. وكما جرى في جميع مفاصل الحكومة الجديدة من تنصيب وتكليف وتعيين جرى في شبكة الإعلام العراقية، تنصيب مدراء عاميين ومجلس أمناء ورؤساء ومستشارين ورؤساء مكاتب في الخارج وقد توفرت في هذه التنصيبات كل عيوب المرحلة الجديدة كالمحاصصة والمحسوبية والطائفية والقرابة والانتماء والواسطة والمنفعة.

فتعاقب على الشبكة مدراء عامون ورؤساء ما وصلوا إلى هناك –غالبا– إلا لتوفر صفة واحدة فيهم على الأقل من الصفات التي تؤهل الشخص لذلك المنصب، وليس بالضرورة البراعة الإعلامية والقدرة على القيادة في ظروف البلد الاستثنائية سياسيا وأمنيا وطائفيا، ربما كان معظمهم قريبا من الإعلام والصحافة في مهنهم أو نشاطاتهم، ولكن العديد منهم لم يكن بارعا في القيادة والتخطيط والتوجيه الإعلامي. فأحدهم على سبيل المثال كان مدرس فنون، وكان حتما “خوش ولد” لكن لم يُعرف عنه أي نشاط إعلامي واضح وما جاء إلى رئاسة شبكة الإعلام إلا لعلاقته الطيبة بأحد المتنفذين في مكتب رئيس الوزراء آنذاك.

ولم يترك لنا بعد رحيله إلا بدعة “المشرف العام” التي نقرأها الآن على كل عمل من إنتاج الفضائية العراقية وتحتها يأتي اسم المدير العام الذي هو حتما مسؤول عن كل ما يتم في التلفزيون، ولكنه لن ولم يقم عمليا بالإشراف المباشر على الأعمال الفنية، فهذا “مو شغله”، وللأقسام مدراؤها ومسؤولوها، وليس عند المدير العام الوقت للإشراف المباشر على الأعمال كأن يقرأ النص، أو يرسم خطط الإنتاج وتوزيع الأدوار ويراقب النتائج.. الخ.

إن الهدف من ذكر فقرة الإشراف العام في نهاية كل إنتاج هو حصول المشرف العام “وهنا المدير العام” على المبلغ المخصص في الميزانية الإنتاجية لهذه الصفة، وهذا فساد واضح واستغلال المنصب لمصلحة ذاتية، وهي من عيوب الفساد المالي والإداري التي يتظاهر ضدها الناس في هذه الأيام، في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى والتي وعد رئيس الوزراء بالقضاء عليها ضمن حزمة الإصلاحات التي يتعثر تنفيذها.

ويخشى الناس أن تصاب قرارات الإصلاحات بفيروسات الإصلاحات والتغيرات التي تراوح مكانها منذ سنتين في شبكة الإعلام العراقية حيث تم طرح موضوع تغير المدير العام الحالي أكثر من مرة، ونشر في وسائل الإعلام وتسمية خليفته، ولكن هذا لم يحدث، وقبل أيام ذاع خبر إعفاء الشبوط على نطاق واسع وتسمية أكثر من مرشح لخلافته، وبدأ البعض يروج لأشخاص للمنصب، وجماعة الداخل، أقصد داخل الشبكة، ترشح واحدا منها كي يحافظ على وضعها القائم المحسن.

وبينما كنا ننتظر صدور القرار بالتغير، جاء في الأخبار أن رئيس الوزراء وجه بالتريث ثم أعلنت لجنة الثقافة والإعلام النيابية أنها تعتزم إجراء تغييرات داخل شبكة الإعلام العراقي بعد نشر القانون الخاص… فهل سيوضع حد للإصلاح المتعثر والمؤجل؟
نقلا عن العرب

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.