استراتيجية أوباما الانتحارية بين أصدقاء واشنطن وحرق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا!!!؟؟؟

اوباما مع وزير الدفاع والجنرال ديمبسي 

استراتيجية أوباما الانتحارية بين أصدقاء واشنطن وحرق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما جملة من التصريحات الخطيرة التي، ربما، تعد الأخطر منذ انتهاء الحرب الباردة، وتعكس سياسة واشنطن في السنوات المقبلة، واستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب.

أكد الرئيس أوباما أن تهديدات تنظيم “داعش” الإرهابي تجاوزت العراق وسوريا وطالت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرا إلى الهجمات الإرهابية التى شهدتها مؤخرا تونس والكويت وشبه جزيرة سيناء المصرية.

جاء هذا التصريح، ضمن تصريحات أخرى، عقب لقاء أوباما مع فريق الأمن القومى في مقر وزارة الدفاع الأمريكية  لبحث مستجدات الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي.

إن الرئيس الأمريكي يعلن على الملأ، وأمام العالم كله، بما في ذلك الهيئات والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أن نشاطات “داعش” قد تجاوزت العراق وسوريا، ووصلت إلى الكويت في الخليج، ومصر وتونس في شمال إفريقيا، وإذا أضفنا ما جرى في السعودية، وما يجري في ليبيا، والتهديدات الكامنة للجزائر، فإن داعش قد أصبح يسيطر على المجال الشرق أوسطي بالكامل، ما يعطي ذريعة قوية للولايات المتحدة لاتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لتحقيق عدة أهداف تحت حجج مختلفة:

-الحفاظ على مصالحها.

-الحفاظ على حياة مواطنيها.

-الحفاظ على حياة الأقليات العرقية في الشرق الأوسط.

-الحفاظ على أمن إسرائيل وبقية حلفائها في المنطقة.

-الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي.

ومن أجل تمرير مقدمات هذه الاستراتيجية كان لابد أن يعترف الرئيس الأمريكي بأن “داعش تمكن من الوصول إلى أشخاص ضعفاء تم تجنيدهم واستخدامهم وضمهم إليه لارتكاب وتنفيذ عمليات إرهابية”، داعيا إلى ضرورة العمل على “تقليص تدفق المقاتلين الأجانب إلى المنطقة والانضمام إلى داعش، والعمل مع أعضاء التحالف على تجفيف منابع التمويل”، ومؤكدا أن واشنطن ستواصل حملتها هي وحلفاؤها على التمويلات غير المشروعة للتنظيم في أنحاء العالم المختلفة”.

وعلى الرغم من أن أوباما يعترف بأن التنظيم الإرهابي قد تجاوز العراق وسوريا وامتد إلى دول أخرى، إلا أنه في الوقت نفسه يؤكد أن “داعش” مني بخسائر أفقدته السيطرة على أراض واسعة كان يهيمن عليها في الفترات السابقة، ثم يعود مجددا للمطالبة بالمزيد من الوقت، مشيرا إلى أن حملة مواجهة “داعش” ستكون طويلة المدى وستستغرق وقتا لاقتلاع جذور هذا التنظيم الإرهابى، ثم عاد ليؤكد ثقته بأن “دحر التنظيم والقضاء عليه سيحدث في نهاية المطاف”.

نحن أمام جملة من التصريحات المتناقضة التي تهدف إلى تمرير إحدى حلقات السيناريو الأمريكي المتحرك والمرن للسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفق حسابات جديدة يدخل فيها تمكين “التيارات اليمينية الدينية المتطرفة” أو على الأقل مشاركتها في السلطة، وبالتالي، فهي تمثل حليفا مهما للولايات المتحدة، قادر من وجهة نظرها على تلبية مطالبها وتنفيذ المهام التي يمكن أن يكلف بها، سواء في المجال الجيوسياسي أو الجيواقتصادي، وبالتالي، فالرئيس أوباما يطلب المزيد من الوقت، على الرغم من محاولات تأكيده “دحر مسلحي داعش”، وهو ما يعيدنا إلى الوراء قليلا، عندما كان تنظيم “القاعدة” الإرهابي يمثل العدو رقم (1) للولايات المتحدة وأوروبا وبقية دول العالم، ولكن بعد أدائه لدوره في كل من أفغانستان والعراق، تراجع إلى الترتيب الثاني، ليظهر تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يتميز بالعديد من الصفات الجديدة من حيث التدريب والتسليح والتمويل والقسوة والانتشار والقدر على التمدد.

لقد استغرقت صناعة “القاعدة” سنوات طويلة بعد أن استنفدت “طالبان” الهدف من وجودها ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، كما أن القضاء على “القاعدة” استغرق أيضا عدة سنوات، لا لإزالتها من الوجود بل لتحويلها إلى تنظيم يحتل المرتبة الثانية، وبالتالي، فالقضاء على داعش سيتغرق وقتا لم يستطع الرئيس أوباما تحديده، بينما حدده البعض بثلاث سنوات، فيما حدده البعض الآخر بثلاثين عاما، غير أن مراقبين يشيرون إلى أنه بمجرد أن تحقق الولايات المتحدة أهدافها المتعلقة بالسيناريو الجاري تنفيذه، فسوف يختفي تنظيم “داعش”، أو يتراجع إلى المرتبة الثانية، أو يتحول إلى شكل آخر باسم جديد.

الرئيس الأمريكي تعهد مجددا بأن بلاده ستواصل استهداف البنى التحتية لداعش في سوريا، مشيرا إلى أن التحالف شن أكثر من 5 آلاف ضربة جوية ضده، وأن التنظيم ليس لديه أي دعم من الجو، وتعهد أيضا بتعزيز قدرات القوات التي تواجه التنظيم على الأرض، موضحا أن الولايات المتحدة تعتزم تعزيز دعمها وتسليحها لما وصفها بـ”المعارضة المعتدلة في سوريا”، فضلا عن دعم الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أي أن استراتيجية واشنطن تساوي بين مجموعات معارضة متناحرة ومسلحة ومختلفة طائفيا وعرقيا وبين حكومة مثل حكومة العراق. وفي الوقت الذي يطالب فيه أوباما بالمزيد من التعاون بين دول المنطقة للقضاء على التنظيم الإرهابي، يواصل هو نفسه الكيل بمكيال آخر تماما في شأن دمشق، إذ أعرب عن اعتقاده بأن السبيل الوحيد لإنهاء ما أسماه بالحرب الأهلية في سوريا هو الانتقال السياسي إلى حكومة جديدة من دون بشار الأسد، والخطير هنا إشارته إلى أنه “بحث هذا الموضوع خلال محادثاته مع قادة عدد من الدول الخليجية في كامب ديفيد أواسط مايو/أيار الماضي، كما بحثه مؤخرا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، وأكد أوباما “لقد وجهت إشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل عملها على ضمان هذا الانتقال، وأن هناك إدراكا متناميا لدى المعنيين في المنطقة بأنه نظرا إلى التهديد البالغ الخطورة الذي يمثله داعش، فمن المهم أن نعمل معا وليس أن يعمل بعضنا ضد أهداف البعض الآخر، لقيام حكومة سورية تشمل جميع الأطياف”، فماذا يقصد أوباما بحكومة “سورية تشمل جميع الأطياف” في حين يتحدث عن “حكومة جديدة بدون بشار الأسد” ويدعو إلى “أن نعمل معا وليس أن يعمل بعضنا ضد أهداف البعض الآخر”؟! وما هي هذه الأطياف من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وفق استراتيجيتها الجديدة لمكافحة داعش؟

أوباما ينتقل إلى منطقة أخرى أكثر إثارة للجدل، وكأنه يوجه الحديث إلى نفسه، ويرد هو أيضا على هذا الحديث، إذ يعلن أن بلاده لن ترسل أي قوات برية لمحاربة تنظيم “داعش”، بينما الخبراء والمستشارون الأمريكيون في العراق من جهة، وفي دول أخرى لتدريب ما يسمى بالمعارضة السورية من جهة أخرى، إضافة إلى ما يتناثر من أخبار عن وجود أعداد غير قليلة من عناصر القوات الخاصة الأمريكية وعناصر الاستخبارات في العراق وسوريا، وكذلك المؤسسات الأمريكية الاستخباراتية العاملة تحت مسميات مختلفة في العراق وفي دول مجاورة.

الرئيس الأمريكي يستبعد التضحية بجنوده وقواته، مؤكدا أن الولايات المتحدة تحتاج إلى شريك فعال في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي على الأرض، ومشددا في الوقت نفسه على أن القوات البرية المحلية هي التي يجب أن تحارب التنظيم المتطرف ميدانيا. إذ أن الضمان لهزيمة “داعش” يكمن في تعزيز القوات الأمنية المحلية. هذا التصريح يثير الكثير من التساؤلات في ظل الشكاوى المتعددة من جانب الحكومة العراقية احتجاجا على تقاعس الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها من جهة، ورفض الولايات المتحدة التعاون مع دمشق في مواجهة داعش وبقية التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة والجيوب الإسلامية الأخرى التي تحمل السلاح وتمثل أجنحة مختلفة لما يسمى بالمعارضة “المعتدلة المسلحة”، سواء في سوريا أو في دول اخرى.

على هذه الخلفية، يبدو أن استراتيجية أوباما الجديدة، جزء لا يتجزأ من السيناريو القديم الذي يفشل تدريجيا، فيجبر الإدارة الأمريكية على المزيد من المغامرات “الانتحارية” لدعم الأصدقاء والحلفاء من تنظيمات دينية وجماعات عرقية أو أنظمة سياسية تنفذ نفس الاستراتيجية. كل ذلك بصرف النظر عن النتائج التي تتطور والأوضاع التي تتفاقم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أشرف الصباغ

 

شاهد أيضاً

أول راتب وذكريات لا تنسى.. بقلم ضياء الوكيل

لا يخلو العراق من أهل الخير والضمائر الحيّة (والحظ والبخت)كما يقال، لكنهم كالقابضون على الجمر في زمن الفساد والفتنة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.