هل القانون يصنع العدالة…؟؟؟

هل القانون يصنع العدالة …؟؟؟

الكاتب علي سالم  علي سالم

وإليك حدوتة صينية قديمة تسلّي بها صيامك. لقد حكيتها لك من قبل.. ربما منذ أعوام، ولكني أراها الآن ضرورية لي ولك.. كان أهل القرية لا بد أن يخترقوا الغابة في طريقهم إلى حقولهم، وفي الغابة ظهر فجأة نمر يطاردهم ويقتلهم ويأكل سيئ الحظ منهم. هو نمر عجوز عاجز عن مطاردة فرائسه التقليدية، ولذلك لجأ لمطاردة أضعف فرائس الدنيا وهم البشر. وبعد شكاوى كثيرة للمسؤولين في الحكم المحلي بغير نتيجة قرر الأهالي أن يشكلوا وفدًا وأن يذهبوا إلى الإمبراطور مباشرة. وفي القصر الإمبراطوري رحب بهم الرجل واستمع في إنصات إلى شكواهم. ظهرت على وجهه أمارات الغضب الشديد ولكنه تماسك واستدعى وزيره الأول وقال له: سأصدر الآن قانونًا إمبراطوريًا تقوم بتسليمه بنفسك إلى النمر في الغابة، القانون من مادة واحدة هي.. على النمر أن يمتنع عن أكل القرويين الكادحين الشرفاء. وإذا لم يلتزم بتنفيذ هذا القانون يعاقب بكل العقوبات التي جاءت في قانون العقوبات.
أخذ الوزير الأول الورقة التي كتب عليها القانون الإمبراطوري وسار إلى الغابة يتبعه موكب طويل من أهل القرية الفرحين بصدور القانون الذي سيحميهم من النمر المتوحش.
وعلى مشارف الغابة وقف على تبة عالية وصاح بصوت اهتزت له أركان الغابة وقال: أيها النمر الذي يهاجم الفلاحين الكادحين.. لدي قانون إمبراطوري جديد عليك أن توقع بتسلمه.
وخرج النمر من الغابة وسار بتؤدة إلى حيث يقف الوزير الأول. مد له الوزير يده بورقة القانون فتأملها النمر وتشممها ثم أكلها.. بعد ذلك أكل الوزير الأول واستمر يأكل الفلاحين الكادحين ربما حتى الآن.
القانون.. حتى لو أصدره كل أباطرة العالم عاجز عن التعامل مع نمر متوحش عجوز. أي أنه عاجز عن إبعاد أي خطر عن الناس. الموقف لم يكن في حاجة إلى صدور قانون جديد بل إلى فهم حقيقي لطبيعة الخطر. تفكير الإمبراطور كان لا بد أن ينصب على كيفية مواجهة الخطر، أي كيفية القضاء على النمر.
أخطر قوالب التفكير في مصر، هي تلك التي تقوم بحل مشكلاتها بالمزيد من القوانين وإصدار القوانين. الأمر الواضح للجميع أننا في مصر منشغلون ومشتغلون بالقانون. جزء منا يصدر القوانين والجزء الآخر يعمل على الطعن فيها واستصدار أحكام دستورية بإلغائها، وبذلك نظل نتحرك في نفس المكان. وعندما يستولي علينا الملل وربما الخجل يهبط علينا الحل السحري وهو استصدار قانون جديد. يا لها من فرصة جديدة جميلة لإضاعة الوقت.. وترتفع أصواتنا يا جماعة.. أين القانون الذي قلتم إنه سيحل مشكلة الكذا كذا..؟ فيكون الرد: نحن لا نسلق بيضًا.. لا بد أن نعمل على مهل وبغير تسرع.. في يناير القادم بإذن الله أو في يناير الذي يليه على أكثر تقدير.
وبعد صدوره تكتشف الحكومة جناح آخر طبعا أن القانون به مواد تتناقض مع المواد 9، 16، 47 من القانون 398 الصادر في 1897 ميلادية وأنه لا بد لتفعيل هذا القانون أن يقوم البرلمان بإلغاء كل القوانين التي صدرت بعد 25 يناير حتى مساء 30 يونيو. وهي جميعًا كما ترى أمور من الصعب تنفيذها لذلك يصدر قرار بوقف تنفيذ القانون.
الطريقة الوحيدة للقضاء على النمر هي في الاستعانة بالأكفاء، وبالحلفاء الأقوياء الذين تعاملوا من قبل مع النمور وهزموها.. نقول كمان؟.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.