الرمادي عام 2015 مقابل بورما عام 1942: العزيمة مقابل التحكم بالصورة…

الرمادي عام 2015 مقابل بورما عام 1942: العزيمة مقابل التحكم بالصورة

جيمس جيفري  جيمس جيفري

جاء رد فعل أبرز المسؤولين في الإدارة الأمريكية على سقوط مدنية الرمادي عاصمة المحافظة العراقية الأنبار في أيار/مايو الماضي، ليُذكّرنا بهزيمة أخرى منيت بها قوات «الجيش الوطني الصيني». فقد كانت الولايات المتحدة قد “دربت وأرشدت وجهزت” تلك القوات وأرسلتها إلى بورما في محاولة يائسة لوقف التقدم الياباني بعد معركة “بيرل هاربور” وسقوط سنغافورة في أوائل عام 1942. وبالكاد تمكن رئيس الفريق الاستشاري الأمريكي آنذاك، الجنرال جوزيف ستيلويل الملقب بـ “جو اللاذع”، من النجاة مع الفريق الاستشاري الأمريكي الخاص به. وجوابه القوي على استفسارات وسائل الإعلام حول ما حدث يعاكس وينتقد الخط الذي اتبعته إدارة أوباما في قضية الرمادي.
فكما رَوَت باربرا توكمان في كتابها “ستيلويل والتجربة الأمريكية في الصين 1911 -1945″، انفجر الجنرال قائلاً: “أقر أننا انهزمنا شر هزيمة. فقد تم دحرنا من بورما وهو أمر مهين للغاية، وأعتقد أن علينا معرفة سبب ذلك، والعودة لاستعادة بورما”.
تختلف كلمات “جو اللاذع” عن خطاب الإدارة الأمريكية بثلاث أوجه حاسمة ذات صلة بالطريقة التي يمكن لواشنطن، ويجدر بها، من خلالها أن تمضي قدماً في هذا الصراع ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية».
أولاً، عدم التحكم في كيفية إظهار الأحداث. بعد أن أنكرت الإدارة الأمريكية أن مدينة الرمادي تتمتع بأي أهمية استراتيجية (تماماً كما يبدو الحال بالنسبة إلى أي هدف في أي مكان ليس فيه أمريكيين)، رست الإدارة في النهاية على “النكسة التكتيكية” (الرئيس أوباما في حزيران/يونيو). وهنا تقع كلمات ستيلويل في مكانها بالنسبة إلى الوضع في الرمادي أيضاً: “شر هزيمة”، “أمر مهين للغاية”. إن ما ذُكر هنا كافٍ في هذا الشأن.
ثانياً، التضامن مع حلفاء الولايات المتحدة. من الصعب أن نتصور أن قوات تشانغ كاي شيك المتشرذمة تحلت باندفاع للمعركة أكثر من ذلك التي تحلت به القوات العراقية في الرمادي، والتي قاوم عناصرها تنظيم «الدولة الإسلامية» فعلياً لمدة 18 شهراً هناك. ولكن بدلاً من الحديث عن كيفية فشلهم “هم” (في هذه الحالة رفاقه الصينيين)، ففي حالة ستيلويل كانت جميع الأمور تتعلق بـ “نحن”: “انهزمنا شر هزيمة”، ” تم دحرنا من بورما”. بهذه الطريقة بإمكان المرء أن يكسب ثقة حلفائه، على الرغم من أنها ليست بالطريقة المثالية. فالإدارة الأمريكية تبدو تقريباً كما لو أن الولايات المتحدة هي مراقب متطوع، من خلال الإعراب عن تخوفها من ألا يتولى الناس زمام أمورهم الخاصة بأنفسهم.
ثالثاً، التعلم من خسارات الولايات المتحدة. يجدر بالمرء أن يتخيل لو أن الإدارة الأمريكية لم تعترف فقط بانعكاس محتمل قد يكون خطيراً، في حملة أعلنت فيها الولايات المتحدة عن مصلحتها الوطنية الحيوية بهزيمة العدو، بل رددت تعهد ستيلويل الختامي القائل: “معرفة سبب حدوثها والعودة لاستعادتها”. بدلاً من ذلك، يحصل الشعب الأمريكي على تأكيد على عدم إجراء أي تغييرات في مسار عمل الولايات المتحدة، ولكن ليس هذا فحسب، ففي بعض الأحيان يحصل أيضاً على تأكيد على أن الإدارة الأمريكية لا تفكر حتى في تغيير أي شيء.
نكرر ثانية أن العديد من القوات العراقية في الرمادي قاتلت «داعش» جيداً في المدينة لعدة أشهر؛ وتشير تقارير وسائل الإعلام وإحاطات الإدارة الأمريكية إلى أن العوامل التي ساهمت في سقوط الرمادي كانت أيضاً مزيج من خطوط الأوامر غير الواضحة وفشل لوجستي وضعف في الاتصالات وربما دعم جوي غير كافٍ. إلا أن جميع هذه العوامل هي عبارة عن “مجموعة مهارات” كان يجب على المستشارين الأمريكيين، المتواجدين على الأرض منذ حزيران/يونيو، أن يكونوا قادرين على المساعدة على تصحيحها. وحتى بشكل أوثق، وعلى بعد أقل من ألف ميل عن العراق، أي في أفغانستان، تضم القوات الأمريكية عناصر تقاتل بشكل غير رسمي إلى جانب الوحدات الأفغانية، مع قوة جوية وقواعد اشتباك تبدو أكثر ليبرالية من تلك الخاصة بالعراق – ويجدر بالذكر أن عدد تلك القوات يبلغ ثلاثة أضعاف عدد القوة في العراق. ألم يكن بإمكان الإدارة الأمريكية أن تقدم على الأقل شرحاً عن سبب عدم إمكانية نجاح هذا النموذج في العراق نظراً إلى الدعوات الخارجية المتواصلة للمشاركة بشكل أكثر قوة، وبعضها تأتي من قبل ذوي الخبرة في هذا المسار مثل رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جون ماكين؟
وعوضاً عن ذلك، يبدو أن عملية إلقاء اللوم على الآخر فاضحة جداً بحيث يمكن للمرء حتى أن يستخلص أن الإدارة الأمريكية عازمة على الانسحاب، وسط شعور بالحزن من أن لدى الولايات المتحدة مثل هؤلاء الحلفاء الضعفاء، لكن وسط ثقة أيضاً بأن واشنطن لم تكن جزءاً من إخفاقاتهم. وبالتأكيد، منذ زمن ستيلويل، في حزيران/ يونيو عام 1950 في كوريا، ورأس السنة الفيتنامية عام 1968 في فيتنام، وأفغانستان في الثمانينات، ومدينة الصدر عام 2008، كان لدى الولايات المتحدة أيضاً حلفاء ضعفاء. إلا أنها عملت معهم وجعلتهم أفضل بقليل وعوّضتهم عن الفرق من خلال التكنولوجيا أو قوة القتال الأمريكية، وفي بعض الأحيان من خلال حياة الأمريكيين.
وفي ظل غياب الصدق حول تطورات المعركة أو الحماس الملموس للقتال ضد هذا التنظيم، قد تكون واشنطن في الواقع أفضل حالاً إذا غيّرت إدارة أوباما من هدفها الاستراتيجي ليصبح عبارة عن احتواء «داعش». فكما أشار الرئيس الأمريكي في مقابلته مع مجلة “ذي أتلانتك”، كانت المناطق الكردية والشيعية في العراق قادرة على صد هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية». إلا أن ذلك سيتطلب شرحاً للطريقة التي ستتعامل الولايات المتحدة من خلالها مع سيطرة «داعش» على أكثر من 8 مليون نسمة في منتصف الشرق الأوسط، في سياق عزمها على الإطاحة بالنظام الإقليمي بأكمله. الربح من تيك توك
وفي عام 1944، عاد ستيلويل ورفاقه الصينيين في السلاح المشرذمين إلى بورما، دعماً لقوات الجنرال وليام سليم، وكتبَتْ توكمان في هذا الإطار، أنهم سجلوا انتصارات محدودة على اليابانيين. وقد كان ذلك الجهد فوضوياً وناقصاً وغير ناجح من بعض النواحي، لكن الولايات المتحدة انتصرت في تلك الحرب بناءً على ما يكفي من الجهود التي بُذلت آنذاك.

جيمس جيفري هو زميل زائر متميز في زمالة “فيليب سولوندز” في معهد واشنطن.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.