الحرب شرٌّ مستطير وذات نهايات مفتوحة لها القدرة على التناسل باضطراد، والحرب معقدة الى درجة دموية، وملتبسة الى حدّ القتل، ومتداخلة الى حدّ الإفناء، ومأساوية الى غاية الألم والموت، ومقدسة الى درجة توظيف الآلهة والكتب السماوية في دعاياتها ومعاركها، فمن انتظم في تبرير الحرب سار على خطاها حتى النهاية، ومن قوّض أسبابها وأهدافها ربح نفسه وقد يخسر المعركة بثبات، ومن كان مع الحرب قد يخسر أو يربح، أمّا من يغامر بغير حساب، ويسيء التقدير، فسيخرج منها خاسرا، ويدفع ثمنا باهضا، سيفاوض بلا أنياب، بعد انتزاع الأظافر والقلب والحركة، وذلك هو المشهد القاتم في غزّة، حربٌ بلا رثاء، وحضارةٌ بلا أخلاق، وحقٌّ ذبيح، ووطنٌ ممنوع، وقبورٌ لا تنفطم، إنّه عالمٌ مضرّج بالقتل والأشلاء، وعدوٌ نازيٌ يزرع الموت والخراب في الأرض الشهيدة، يبتكر أنماطا من الوحشية لا حدود لجنونها البربري، أمّا غزة المغدورة فما زالت قيد الإبادة والتدمير، ومحنتها العظيمة أن نتائج العدوان عليها ستمتد بتأثيرها الإنساني المفجع الى عشرات السنين، حتّى وإن توقفت الحرب هذا اليوم فذلك لا ينفي الكوارث والحقائق المُرّة، ولا ينفي أن غزّة عصيّة وتعتصم بصبرٍ شاهق، غزّة لا تخاف ولا تسقط إلا لتنهض من جديد، غزّة لن تأكل من ثدييها لأنها حرّة عربية أصيلة،غزّة لا تأكل إلاّ من لحمِ غزاتها، فحلالٌ وحدهُ هذا الحرام، ويبقى السؤال الكبير فاتحا ذراعيه بحجم الموت والإبادة والنكبة العظيمة.. هل كان الطوفانُ كمينا أم فخّا قاتلا أم خطيئة كبرى..؟؟
*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام والدفاع وقيادة العمليات..