تجريف الوعي الوطني.. بقلم ضياء الوكيل*

بعض البيانات والتصريحات السياسية ما زالت تستخدم (منهج الإستبعاد) في التعاطي مع الأحداث الخطيرة والمهمة، وهو نوع من (الخداع اللغوي والشكلي) يعلمه خبراء اللغة والسياسة والإعلام،ويستخدم في التهرّب والتملص من استحقاق الموقفين (السياسي والوطني) عند المنعطفات التاريخية التي تستلزم وضوحا وجرأة وصراحة مسؤولة، كيف..؟؟ على سبيل المثال في الهجوم الصاروخي الايراني الذي استهدف مدينة أربيل صدرت بعض المواقف والبيانات السياسية (تدين الهجوم) ولكنها (تحاشت ذكر المهاجم)، وشجبت واستنكرت (الفعل) وتجاهلت (الفاعل)،وهذا الموقف الانتهازي يتصورهُ البعض شطارة يراوغ بها ويضارب في سوق السياسة، لكنه في الحقيقة هروب وضعف وخداع للنفس وللآخرين، وبعضهم تمنى لو أن إيران لم تعترف بتنفيذ الهجوم لكان تصريف الحدث أسهل وأقل حراجة لهم، قد نتفهم ذلك ونعلم أن الأحداث أكبر من قدرة البعض على التصريح أو التلميح واتخاذ موقف واضح وجريء تجاه الهجوم المذكور، لكن ذلك لا يمنع من اعتماد نهج سياسي مبدئي يستند الى رفض وإدانة كلّ الاعتداءات التي تستهدف سيادة وسلامة العراق ولا فرق هنا بين (إيران وتركيا وأمريكا أو(اسرائيل) وغيرها)، فكل اعتداء هو تهديد لأمن واستقرار العراق، وإساءة للعلاقات التي تستند الى احترام  السيادة ونبذ العنف في العلاقات الثنائية والدولية، والادانة لوحدها لا تكفي والمطلوب تهيئة الوسائل الدفاعية الكفيلة بحماية العراق وردع الاعتداءات، ومع ذلك وجد  البعض نفسه عاجزا عن مواجهة هذا الاستحقاق الوطني، في حين لجأ البعض الآخر لتغيير إتجاه الموضوع والبحث عن تبرير للهجوم ..!! لا شكّ أن هناك محاولات لتجريف الوعي والثقافة الاستراتيجية، وتعطيل جهاز المناعة الوطنية، وتحويل المحرمات الى صيغ صالحة للقبول مثل (قدسية الوطن والسيادة والكرامة الوطنية ووحدة البلاد ورفض الانحناء والتبعية للغير)، وهذا العجز والانقسام والتباين الثقافي والفكري في المواقف هو الذي شجّع الآخرين على استباحة وانتهاك سيادة العراق، وفي كلّ الأحوال فأن الوضع العراقي يحتاج الى رجال دولة بمستوى التحدي المصيري الذي يواجهه العراق، قادرون على التعبير بصدق عن ضمير الشعب وتطلعاته المشروعة في العيش الكريم وتحقيق الكرامة الإنسانية، رجال دولة ينظرون الى السياسة بالبصيرة لا بالبصر، ويقبلون بالمخاطر والتضحية ونكران الذات، وليس حسابات المغانم والجمع والطرح والتدليس وانتهاز الفرص.. هل مثل هذا التوصف موجود حاليا..؟؟ هل هناك من يتلمس الجرح النازف ويتحسس الوجع المقيم..؟؟  أترك الإجابة والتقييم للقاريء الكريم..

*مستشار وناطق رسمي سابق لمكتب القائد العام ووزارة الدفاع

شاهد أيضاً

تحوّل القوّة.. بقلم ضياء الوكيل*(تحليل)

هل اقتنعت ايران أن الصعود الإستراتيجي في المنطقة يعتمد على شرط أساسي وهو(تحوّل القوّة) أو الإنتقال الى مرحلة التحدّي والصدام المباشر، وتغيير أنماط الصراع، وقواعد اللعبة؟ هل يزيد ذلك من المخاوف في وقوع حرب وقائية؟ أم أن الأمر يحتاج الى المزيد من المراقبة للوضع، وتقييم للخطوة التالية..!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.