الهجوم الصاروخي الإيراني على «إقليم كردستان العراق» يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.. بقلم بلال وهاب*

بعد دقائق من بدء اجتماعٍ قيادة «الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني» في 8 أيلول/سبتمبر تعرّض مقر الحزب لهجوم صاروخي. وفي اليوم التالي، أعلن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني مسؤوليته عن وقوع الهجوم، مصرّحاً بأنه أطلق سبعة صواريخ أرض-أرض على مجمّعٍ يقع عند أطراف مدينة كويسنجق في «إقليم كردستان العراق»، ووفقاً لوكالة أنباء “تسنيم” التابعة لـ «الحرس الثوري» كان المجمّع المذكور “يُستخدم لتدريب إرهابيين معادين لإيران واستضافة اجتماع لقادة الإرهابيين”. وقد قُتل 17 شخصاً في هذا الهجوم وجُرح 49 آخرون من بينهم مدنيين. ويضمّ المجمّع أيضاً مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» الذي شنّ مؤخراً هجمات على أهداف تابعة لـ «الحرس الثوري» في إيران. بيد، أصابت الصواريخ بشكل رئيسي أعضاء «الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني» الذي يُعتبر أقل نشاطاً وأكثر ميلاً إلى الحوار، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ادعاء طهران بأن العملية كانت مجرد إجراء هدفه مكافحة الإرهاب.

هل هو مؤشر على التصعيد؟

استخدمت إيران في هذا الهجوم صواريخ “فاتح-110” التي يبلغ مداها 300 كلم. وتم إطلاقها من وحدات متنقلة بالقرب من أرومية شمال غرب إيران، على بُعد أكثر من 100 ميلٍ من هدفها في العراق. وقامت طائرات مسيّرة تابعة لـ «الحرس الثوري» بتصوير الهجوم وتقييم الأضرار. ومن بين الصواريخ الستة التي ضربت المجمّع، أصاب صاروخٌ الغرفة نفسها التي كانت تجتمع فيها لجنة قيادة «الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني» المكونة من أربعين عضواً – وهذا إنجاز لا يستهان به في مبنى ضخم مكوّن من أكثر من 200 غرفة. وتدّعي إيران أن الخطأ الدائري المحتمل (CEP) في صاروخ “فاتح-110” يصل إلى 10 أمتار في مداه الأقصى، مما يجعل الصاروخ قادراً تماماً على ضرب هدفه بمثل هذه الدقة إذا كان «الحرس الثوري» يملك المعلومات الاستخبارية اللازمة حول مكان الاجتماع وتوقيته. ولا شك أيضاً أن طهران كانت على يقين بأن الإخطاء في إصابة المبنى وضرب المركز الحضري المجاور كويسنجق سيؤديان إلى وقوع إصابات أكبر ويتسبّبان بحدوث نزاع سياسي. ومع ذلك، فمن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت النتيجة دالة على عامل الدقة أم محض الصدفة.

وفي الليلة التي سبقت الهجوم، قُتل ثلاثة نشطاء أكراد في طهران، وأفادت بعض التقارير أن القوات الإيرانية كانت تحتشد على حدود «إقليم كردستان»، الأمر الذي أثار مخاوف من وقوع هجوم بري محتمل. وعلى الرغم من استهداف إيران للمعارضة الكردية في العراق بعمليات اغتيال وسيارات مفخخة خلال السنوات الأخيرة (على سبيل المثال، الهجوم الذي وقع في كانون الأول/ديسمير 2016 وأودى بحياة سبعة منشقين)، إلّا أن ضربة يوم السبت كانت مختلفةً نوعاً ما في توقيتها، وجرأتها، ورسالتها. فإيران لم تطلق صواريخ عبر الحدود منذ عام 2001 حين وجّهت ما بين 44 و77 صاروخاً من نوع “سكود” على المراكز التابعة لحركة المعارضة “مجاهدين خلق”. وفي عام 1996، ضربت مجمّع كويسنجق بصواريخ كاتيوشا خلال الحملة التي كانت تشنها للاستحواذ على مساحات واسعة من أراضي «كردستان العراق».

هجوم واحد، ثلاثة أهداف

من المحتمل أن تكون إيران قد استخدمت الهجوم لتوجيه ثلاث رسائل مختلفة. الرسالة الأولى والأكثر أهمية هي إطلاع  المجتمع الدولي على ما يبدو حول نواياها وإمكانياتها الإقليمية، حيث أن استهداف مركز تدريب ومأوى للاجئين محميان بشكل ضئيل، بصواريخ قوية سيصنّف على الأرجح من قبل أي مراقب موثوق [بتحليلاته] بأنه قتل مفرط. وخلافاً للهجمات الصاروخية الإيرانية التي أخطأت أهدافها على نحو محرج في سوريا العام الماضي، تشير نتائج العملية التي وقعت يوم السبت إلى استهداف دقيق وتوقيت حاد واستخبارات محكمة. ونظراً إلى التقارير الأخيرة التي أفادت عن تثبيت إيران لصواريخ في العراق وسوريا، فإن مثل هذه الإمكانيات تشكل تهديداً متزايداً للأصول [والمصالح] الأمريكية في المنطقة وكذلك لإسرائيل ودول الخليج.

الرسالة الثانية، قد تحاول طهران ترهيب بعض المواطنين والسياسيين في العراق، حيث تزايدت المشاعر المعادية لإيران خلال الدورة الانتخابية الأخيرة. وبينما ينكبّ الزعماء في بغداد وإربيل على لعبة المقايضة [بإجرائهم مفاوضات صعبة] لتقرير من سيترأس الحكومة المقبلة، يمكن اعتبار الضربة على كويسنجق بمثابة تحذير بأنه لا يمكن تهميش إيران وأنها ستفعل ما يلزم لحماية مصالحها هناك. [وفي الواقع] يتخذ التكتل الموالي لإيران موقفاً دفاعياً – ففي أواخر الأسبوع الماضي، كان التحالف المكوّن من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على وشك تبوؤ الصدارة [في المحادثات لتشكيل الكتلة الأكبر] ما بعد الانتخابات. أما اليوم، فهناك أحداثاً ومشاهد فريدة تهيمن على نشرات الأخبار مثل نهب الممثليات الدبلوماسية الإيرانية وحرقها.

وفي غضون ذلك، استمد الأكراد مؤخراً الجرأة من الجهود الدبلوماسية الأكثر قوة التي تقوم بها واشنطن في العراق، بما فيها مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية الأمريكي مايك مومبيو مع الرئيس السابق لـ «حكومة إقليم كردستان» وزعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني في 30 آب/أغسطس – وهي المحادثة الأولى من نوعها منذ أن عارضت الولايات المتحدة استفتاء الاستقلال السيئ الحظ الذي أجرته «حكومة الإقليم» عام 2017. وفي أعقاب ذلك التصويت، اندفعت الأحزاب الكردية العراقية إلى التعمق أكثر في مدار طهران، بينما عملت إيران على مساعدة بغداد على إخراج قوات «إقليم كردستان العراق» من كركوك وحقولها النفطية. وربما كان هدف طهران من ضرب «الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني» هو تحذير الأكراد بأنهم يتجاوزون حدودهم مرة أخرى. وبالفعل، إنّ البيان الصادر عن «حكومة إقليم كردستان» بعد الهجوم أدان الضربة، لكنه دعا أيضاً التنظيمات الكردية الإيرانية إلى عدم استخدام أراضي «إقليم كردستان العراق» كقاعدة لشن هجمات ضد إيران – وهو أمر لطالما طالبت إيران بأن تقوم أربيل بفعله.

ومثل هذه التصريحات هي أكثر قابلية للفهم عند الأخذ بعين الاعتبار أن إيران وتركيا تهاجمان بانتظام القرى في المناطق الحدودية لـ «إقليم كردستان العراق» حيث تنشط جماعات المعارضة، الأمر الذي يؤدي إلى تشريد السكان المحليين، ويتسبب بإحراج دبلوماسي، وصعوبة مستمرة في استقطاب الشركات الدولية إلى «كردستان العراق» والحفاظ على وجودها هناك. ولم يتمكن زعماء «الإقليم» من وقف مثل هذه الهجمات على الرغم من علاقاتهم الجيدة إلى حد كبير مع أنقرة وطهران – حيث أن ذلك يشكل مصدر قلق كبير لأن كل حادثة تُضعف مصداقيتهم القومية الكردية في الفترة التي تسبق الانتخابات المقررة لـ «حكومة إقليم كردستان» في 30 أيلول/سبتمبر.

ومن المفارقات أن الضربة على كويسنجق قد تدفع زعماء «حكومة إقليم كردستان» عن غير قصد إلى الاقتراب من الحكومة الاتحادية، لأن [مسؤولية] حماية الحدود تقع فعلياً ضمن نطاق الصلاحيات السيادية لحكومة بغداد. بل أنهم قد يضيفون هذه القضية إلى قائمة مطالبهم خلال مفاوضات تشكيل الحكومة. بيد، قد تكون قدرة بغداد على تلبية هذا الطلب محدودةً نظراً لعلاقاتها المشحونة منذ مدة طويلة مع «حكومة إقليم كردستان»، وصعوبة الوقوف بوجه الدولتين القويتين المجاورتين لها.

أما الرسالة الثالثة التي يحملها الهجوم الذي وقع في نهاية الأسبوع المنصرم فقد تكون موجهةً إلى فصائل المعارضة الكردية داخل إيران، حيث سعت هذه الجماعات إلى تعزيز مكانتها من خلال ضرب أهداف تابعة للنظام و «الحرس الثوري». وقد تشعر هذه الفصائل بأنه يجري تضييق الخناق على النظام مع تسبب العقوبات الأمريكية بتفاقم الوضع الاقتصادي الرديء أساساً في البلاد واستمرار الاحتجاجات في مدن مختلفة. وفي الأشهر الأخيرة، زار بعض القادة الأكراد الإيرانيين واشنطن لفهم سياسة إدارة ترامب تجاه بلادهم بشكل أوضح وإيجاد موطئ قدم فيها. وردّاً على ذلك، يبدو أن طهران مصممةً على القضاء على الزعماء السياسيين من المعارضة وعرقلة الخطط العسكرية للمعارضة.

مخاطر على طهران

إن المحاولة الجريئة التي أقدمت عليها إيران لحلّ مشكلة المعارضة الكردية يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية. فقد أدى التقارب الأخير بين طهران وأنقرة إلى إزعاج الأكراد العراقيين، الذين يعتقد الكثير منهم أن الدولتين قد تخططان لشن هجوم مشترك على التنظيمات المعارضة في بلديهما والمتواجدة في «إقليم كردستان العراق». وسعياً من قادة إربيل إلى حماية أنفسهم – سياسياً وربما حرفياً أيضاً – قد يطلب هؤلاء من قوات المعارضة الإيرانية مغادرة قواعدها في العراق والعودة إلى بلدها. وفي النهاية لن يكون هذا الخبر سارّاً بالنسبة لطهران. فالجمع بين الهجمات خارج البلاد، والاضطهاد داخلها، والصعوبات الاقتصادية المستمرة من شأنه أن يمنح المقاتلين الأكراد الإيرانيين أرضاً خصبة لتجنيد عناصر جدد داخل الجمهورية الإسلامية، وكل ذلك في وقت يكون فيه النظام معزولاً على الساحة الدولية ومقسّماً على الساحة السياسية. ومع ذلك، لدى هؤلاء المقاتلين فرصة ضئيلة لتحويل أنفسهم من هدف سهل إلى تمرد فعال ما لم يتغلبوا على تحزّبهم التافه في كثير من الأحيان.

وثمة احتمال بأن تكون طهران قد عرّضت برامجها الصاروخية للمزيد من العقوبات الدولية. فقد هدد النظام طوال الصيف بأنه سينتقم من الفصائل المسؤولة عن مقتل أفراد من «الحرس الثوري»، بإشارته إلى الهجوم الذي وقع في 21 تموز/يوليو دون أن تتبناه أي جهة، وأودى بحياة أحد عشر شخصاً في مركز “ماريفان” الحدودي في إيران. ومع ذلك، فإن استهداف اجتماع لقادة المعارضة السياسية في عمق الأراضي العراقية يثير شكوكاً جدية حول المزاعم الإيرانية بأن طبيعة برنامجها الصاروخي هو دفاعي بحت.

وقد تؤدي الضربة المنفّذة في نهاية الأسبوع المنصرم إلى زيادة استياء الشعب العراقي أيضاً. فغضب الشعب من التدخل الإيراني سبق وأن بلغ ذروته بعد أن تولت الأحزاب الحليفة لإيران السلطة في بغداد قبل عدة سنوات، كما تجّلى ذلك في الأسبوع الماضي حين قام مشاغبون بإحراق القنصلية الإيرانية في البصرة. وكحد أدنىدنىأد، كان الهجوم الصاروخي إهانة لسيادة بلدهم في وقت تأخذ فيه القومية العراقية في الازدياد.

أما بالنسبة لردود الفعل الأمريكية والدولية، فقد سارع نائب الرئيس الأمريكي مايك بانس إلى التنديد بالهجوم في مكالمة هاتفية أجراها مع رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» نيجيرفان بارزاني. يجب على الأمم المتحدة أن تفعل الشيء نفسه – لأن كل ما فعلته حتى الآن هو نشر تغريدة على موقع “تويتر” في 9 أيلول/سبتمبر مفادها أنها “أحاطت علماً” بهذا الهجوم. ولكن إذا أرادت واشنطن أن تثبت أن هناك ثمن للهجوم على «إقليم كردستان العراق»، فعليها أن تلقي نظرةً أعمق على الأنشطة المصرفية وعمليات شراء العملة الإيرانية هناك. إن الدعم القوي الذي تقدمه الولايات المتحدة قد يساعد القادة الأكراد والعرب الأكثر مسؤولية في العراق على الوقوف بوجه إيران أيضاً.

*بلال وهاب هو زميل “ناثان واستير ك. واغنر” في معهد واشنطن…

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!