سنغسل أيدينا منكم جميعاً… (بقلم عبدالهادي البابي/جريدة الزمان)

اليوم زرت صديقي القديم (أبو علاء) ..وجدته قعيداً طريح الفراش لايقوى على الحركة ..أثقلته الجلطات المتعاقبة ..وأقعدته الأمراض المتلاحقة ..وأضعفته الهموم والأحزان الطويلة !أبو علاء ..كان شعلة من النشاط والحيوية ..كان يبتسم للريح …ويشاكس الشمس في تموز ..ويسخر من برد الشتاء …كان دائب الحركة ..متنوع العمل ويتقن الكثير من المهن ..ولطالما كان يساعد الناس ..يساعد من يعرفه ومن لايعرفه …كان بمنتهى الطيبة والإخلاص والصدق والعفاف والنخوة والشهامة ..!رأيته يوماً غاطساً في أوحال الطين يساعد في بناء بيت فقير في منطقتنا..فسألته : كم يعطيك من أجر ..؟ فضحك وقال : يمعود هو شعنده هذا المكرود ..نحن نعمل في سبيل الله ..فقلت لعله قريبك ..قال : لاوالله ..لم أعرفه من قبل ..كنت مستطرقاً فرأيت ماحل ببيته فقمت بمساعدته ..الناس لبعضها ياأبا مصطفى ..!!أبو علاء إذا سمع بشخص مريض في منطقته يبقى يتابعه ويزوره ويجلس بقربه يضحك ويبتسم ويحكي له النكات الظريفة التي تخفف عنه آلامه وتنسيه مرضه ..أبو علاء يحب عائلته ويتفانى من أجلها ..كان يحمل بناته الصغيرات أيام المطر على صدره ويأخذهن للمدارس ..وعندما إستشهد ولده الوحيد رأيته حازماً صابراً محتسباً وقال عنه : هذا الولد خلالي ناموس وشرف أفتخر بي للأبد ..!أبو علاء لم يحصل على حقوقه كسجين سياسي رغم أن غيره أستلم المال والأرض والتقاعد والهدايا والمخصصات ..!أبوعلاء لم يحصل على أتعابه ومستحقاته ورواتبه كعامل في دائرة الطرق والجسور خدم بلده لمدة عشرين سنة كاملة حتى بترت إحدى أطرافه وأصابعه فخرج بالحمص لاراتب ولاتقاعد ولاهم يحزنون .!

أبو علاء لم يحصل على حقه بالسكن لاقديماً ولاحديثاً ..وحتى أنه رفض السكن في بيت تجاوز لإنه يعتبره (حرام ..لإنه أموال الشعب والدولة ) ..وفضّل العيش في بيوت الإيجار التي لاترحم !

أبو علاء يعيش اليوم مع بقية بناته وزوجته المريضة في بيت مؤجر وهو لايجد كفاف عيشه ولايستطيع شراء دوائه ..وعندما عاتبت أبي علاء  لماذا لم يراجع كل هذه الفترة لإجل إستحصال حقوقه .. نادى على إحدى بناته بصوت خفيض كله ألم وحشرجة فجاءت بكارتون مليء بالمعاملات والمراجعات الرسمية ووضعها أمامي ..وهي معاملات قديمة وحديثة يطالب فيها بحقوقه فلم يجد قلباً رحيماً أو آذاناً صاغية له..بل لم يجد الدولة الشريفة التي ترعى أبنائها بكرامة ولاتهملهم بهذه الطريقة المذلة .!تعساً للدولة التي تدفع أبناءها الشرفاء إلى اليأس وفقدان الأمل بالحياة ..تعساً للدولة التي تلقي بإبناءها على قارعة الطريق بعد أن خدموها وقدموا لها زهرة شبابهم .وتجعلهم يعيشون بين أنياب الفاقة وطاحونة العوز دون رحمة ..!أردت أن أصوّرمعاملاته التي بلغت (20 معاملة) مع صورته ورقم تلفونه وأنشرها مع شكواه فترجاني وتوسل بي أن لاأفعل …لإن كل شيء إنتهى بالنسبة إليه ..فقلت له : لعلها تقع تحت أنظار واحد شريف منهم فيشفق عليك ..فرمقني بنظرة متعبة .وقال  : آني ( غسلت أيدي منهم ).. !!أبو علاء ..غسل يديه من حكومة الفشل والعار ..أما أنا فقد غسلت وجهي بدموعي الحارة التي ذرفتها على حالته المحزنة ووضعه المأساوي الذي هو فيه ..!!

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...