شعب الخضراء ..وشعب التحرير … بقلم علي حسين عن جريدة المدى

12

عمليّات بغداد التي تضع رأسها في الرمال ، حين تضجّ بغداد بالمفخّخات ،  ولا يستفزّها قتل مواطن مسيحي في الهواء الطلق ، وغير معنيّة باختطاف إنسان من بيته الذي لايبعد سوى خطوات عن إحدى السيطرات ، نجدها  تشمّرعن سواعدها، وتزأر مثل الأسد ” الهصور ” في مطاردة  ، وقنص  معتصمين عُزَّل ذنبهم الوحيد أنهم رفعوا شعار ” ليتوقّف الموت والخراب” ، بالامس كنتُ وعدد من الزملاء ، نمرّ من ساحة التحرير، لنشاهد على الهواء مباشرة ، حفلة فضّ الاعتصام التي بدأت بقنابل الغاز ، ولم تنتهِ بالهراوات ، قامت بها  ” قوات مكافحة الشعب ”  التي من حقّها أن تدهس  من تختارهم ببساطة ، وهذا يسمّونه في أعراف دولة الفشل  “عملاً بطوليّاً وطنيّاً”.
ولكي نفهم ما جرى في حادثة ساحة التحرير أمس ، علينا أن نعرف أنّ  الأُمم المتحدة أعلنت قبل أيام أنّ عدد ضحايا الفشل الأمني  في العراق لعام 2016 تجاوز الـ 26 ألفاً ، فنحن أول دولة  تُبيح التظاهر من أجل المنامة برعاية وزارة الداخلية  ، لكنها  تواجه  بالهراوات والقنابل ، تظاهرة من أجل محاسبة الفاسدين ، ونحن أول دولة ترعى فيها وزارة الداخلية جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ، وتساعدهم في نشر مبادئهم  الهادفة إلى ” قمع ” المجتمع ، وإلّا ماذا نُسمّي انتشار ملصقات جدارية في شوارع العاصمة  ، تدعو لمنع وتحريم الغناء وتبرّج النساء، بالقرب من سيطرات عمليّات بغداد ؟!
وتحت تأثير الفضول الصحفي الذي يرفض أن يفارقني، تابعت تعليقات كثيرة على هذا الحادث، بالمقابل وجدتُ صمتاً  حكوميّاً على مثل هذه الانتهاكات جعلني أتساءل: لماذا تحولت بغداد  إلى غابة من السيطرات التي لا همّ لها سوى مضايقة الناس والتحرّش بالنساء وفرض لغة التهديد والوعيد على كلّ مَن يعترض؟
  قيادة عمليات بغداد في الوقت الذي خاضت فيه معركتها “المظفّرة” ضد معتصمي ساحة التحرير ،  نجدها عاجزة عن حماية مدينة بغداد التي تُذبح كلّ يوم من الوريد إلى الوريد.. وسط غفلة أمنية وصمت حكومي مُخجل.. ضحايا أبرياء ذنبهم أنهم صدّقوا أن المعركة الأمنية في العاصمة حسمتها  شرطة ” مكافحة الشعب ” ، وأن قائد عمليات  بغداد  اكتشف مَن هم الأعداء، وسوف يقضي عليهم، فإذا بالمفخّخات والمسلّحين يتربّصون بهم في وضح النهار بمسمع ومرأى من الأجهزة الأمنيّة!
اليوم أصبح لدينا عراقيّون مدلّلون في نظر النظام السياسي ، وهم سكّان  المنطقة الخضراء ، ويقابلهم آخرون بالملايين في محافظات العراق يجري التعامل معهم باعتبارهم كائنات غريبة ليست من هذا البلد، مخلوقات مستباحة بلا ثمن،  ترمى بقنابل الغاز وتحاصرها المفخخات وفساد السلطة  وتُتَّهم بكلّ أنواع الاتهامات، وتوصَم بالتخريب وتنفيذ الأجندات ، وتُقتل عند الساحات والشوارع  وتُسفك دماؤها في التظاهرات، بدم بارد من دون أن ينطق مسؤول حكومي  .

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...