مَنْ يُوقف سرقة دولارات البنك المركزي؟ بقلم عدنان حسين

عدنان حسين

هل يُعقل أنّ البنك المركزي، ومن خلفه الدولة بكلّ جبروتها المُفترض، يبقيان عاجزينِ عن وضع حدّ لهذه الظاهرة التي صارت مكشوفة على نحو فاقع، المتمثّلة في قيام مصارف وشركات صيرفة بعينها بتهريب مئات الملايين من دولارات البنك المركزي الذي يسجّل احتياطيّه الستراتيجي تراجعاً متواصلاً، عبر وثائق تجارة أو سفر مزوّرة مقدّمة من تجّار وصيارفة وهميين وشركات تحويل مالي؟
وسائل الإعلام الوطنية والعديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين أشبعوا هذه القضية بحثاً وعرضاً وتحليلاً، ودعّموا أبحاثهم وعروضهم وتحليلاتهم بالوثائق الدامغة، حتى أن مسؤولي البنك المركزي من جانبهم لم ينفكّوا يُقرّون بها، لكن من دون التقدّم خطوات جادّة للسيطرة عليها، مع أنّ خيوط اللعبة في أيديهم.
قاضي تحقيق غسل الأموال إياد محسن ضمد ألقى من جديد مزيداً من الضوء على هذه القضية التي تستنزف الوفير من المال العام، ففي حديث إلى  العدد الأخير من مجلة “القضاء” التي تصدرها السلطة القضائية، قال ضمد إن من أساليب تهريب العملة وغسل الأموال “القيام بعمليات استيراد وهميّة وتحويل الدولار الى الخارج والاستعانة بأشخاص آخرين”، ورأى أنّ “الصورة الأكثر تكراراً لغسل الاموال تحدث من خلال مزاد بيع العملة في البنك المركزي وذلك بقيام مرتكبي جرائم الاختلاس والرشوة وتقاضي العمولات بإيداع أموالهم في حسابات لدى المصارف الأهلية”، لافتاً الى أنّ “الوقائع تشير إلى أنّ التاجر يُقدِّم مستندات ووثائق مزوّرة وقوائم وتصاريح وهميّة عن طريق المصارف الأهلية لتحقيق طلب شراء العملة ويحوّلها إلى الخارج”.
الأُسلوب الآخر لسرقة دولارات البنك المركزي يتمثّل، بحسب القاضي ضمد، باستحواذ مكاتب صيرفة ومصارف على الأموال المخصصة لأغراض السفر. يقول ضمد إن البنك المركزي يبيع الدولار عبر نافذته إلى شركات الصرافة “بحصّة أُسبوعية ،على أن تقوم هذه الشركات ببيعها الى من يروم السفر للعلاج او السياحة بأقلّ من سعر السوق”، لكنّ “بعض الشركات تبيع الدولار في السوق السوداء وتقدّم نسخاً لتذاكر سفر وجوازات مزيّفة”.
أفترض أنّ في البنك المركزي ولدى الحكومة أيضاً خبراء نطاسيين في الشؤون الاقتصادية والمالية بإمكانهم اقتراح السبل الكفيلة بوقف الممارسات التي تحدّث عنها القاضي ضمد. من هذه السبل، على سبيل المثال، الاستيفاء سلفاً لرسوم الجمارك وضريبة الدخل عن السلع الوهمية التي يجري شراء الدولار لصالح عمليات استيرادها. ومن هذه السبل أيضاً أن تقوم المصارف الحكومية ببيع الدولار للمسافرين في المنافذ الحدودية، وبخاصة المطارات، بما يضمن ذهاب دولارات السفر إلى المسافرين فعلاً وليس إلى المسافرين الفضائيين والموظفين الفاسدين في المصارف.
 هل يُعقل أنّ خبراء البنك المركزي والحكومة عاجزين عن ابتكار أفكار كهذه وأحسن منها، أم أنّ في الأمر “إنَّ”، كما نقول شعبياً، تتمثل في وجود موظفين في البنك المركزي والحكومة وغيرهما لا يريدون لأفكار كهذه أن تكون ،لأنّ لهم مصلحة مباشرة في تهريب دولارات البنك المركزي وغسلها؟!

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...