رنّةُ جرسٍ لإصلاحِ السلكِ الدبلوماسيّ .. بقلم عدنان حسين

عدنان حسين

صرف النظر عن التفاصيل، فإن الحادث الذي كان ابنا السفير العراقي لدى البرتغال طرفاً فيه لا ينبغي أن ينتهي عند استدعاء السفير إلى بغداد للتشاور في القضية المتّهم فيها الابنانِ بالاعتداء على شاب برتغالي يافع والتسبب له بإصابة شبه مميتة، بحسب ما نشرت وسائل الإعلام  ومواقع التواصل الاجتماعي في الدولة الأوروبية وخارجها على نحو واسع.

المعلومات المنشورة المستقاة من مصادر الشرطة البرتغالية ووسائل إعلام محلية  تقول إنّ ابني السفير اعتديا على الشاب البرتغالي الذي كان برفقة صديقته في ساعة متأخرة من الليل الربح من تيك توك، وإن أحدهما ضربه ضرباً مبرحاً ،  فيما الابن الثاني دهسه بسيارته، وكلاهما يتمتّعانِ بالحصانة الدبلوماسية مما لا يمكّن السلطات البرتغالية من اعتقالهما والتحقيق معهما ومحاكمتها. السفير ومقرّبون منه قدّموا في المقابل رواية لما حصل مختلفة بل مناقضة تماماً، مفادها أنّ ابني السفير قد تعرّضا إلى اعتداء من ستة اشخاص بدافع السرقة.
أجهزة التحقيق البرتغالية هي التي ستتوصل إلى الحقيقة، وليس في وسع أحد أن يطعن في صحة ما ستنتهي إليه تحقيقات هذه الأجهزة، ففي البرتغال كما في سائر الدول المتحضرة لا يحصل في أجهزة التحقيق الجنائي ما يحصل عادةً في أجهزتنا المماثلة التي تتأثر بنفوذ المتنفذين في السلطة بإرادتهم، ولن يكون ثمة شكّ في توصل الأجهزة البرتغالية إلى حقيقة ما جرى وإعلان نتائجها إلى الرأي العام في بلادها، وإذا كانت رواية السفير والقريبين منه هي الصحيحة فستتطابق معها بالتأكيد نتيجة التحقيقات البرتغالية.
أيّاً كانت الحقيقة  فإن الحادث المزعج الحاصل في البرتغال يتعيّن أن يدفع بالحكومة إلى التعجيل بشمول السلك الدبلوماسي بعملية الإصلاح التي لم تزل تمضي بسرعة لا يمكن مقارنتها إلّا بسرعة مشي السلحفاة على اليابسة. السلك الدبلوماسي في حاجة ماسّة إلى إصلاح حقيقي وجذري، فلقد كان هذا السلك الربح من تيك توك من أكثر المجالات تكالباً على مناصبه ووظائفه من جانب القوى السياسية المتنفذة في السلطة، وأُخضع هو أيضاً إلى نظام المحاصصة، فكانت النتيجة أن أُغرق هذا السلك بعناصر من ذوي المتنفذين في سلطة بغداد ممن لم يكن تشغيلهم  في السلك الدبلوماسي مما يحقق الغايات المعقودة على هذا السلك، إنْ على صعيد تمثيل الدولة لدى الدول الأخرى أو على صعيد تقديم الخدمات للجاليات العراقية المغتربة.
إذا ثبت أنَّ رواية المصادر البرتغالية هي الصحيحة، ونرجو ألّا تكون كذلك، فإن الحادث الواقع على الاراضي البرتغالية ليس فريداً من نوعه، فثمة وقائع تجري في عواصم العالم المختلفة أبطالها دبلوماسيون عراقيون مما لا يشرّف أحداً ما يقومون به. ولهذا نقول بأهمية مدّ عملية الإصلاح الى هذا السلك ليس فقط صوناً لسمعة العراق ودولته وتطويراً لعلاقاتهما بأمم العالم ودوله، وإنما أيضاً حفظاً لمصالح العراق التي من أولى مهام السلك الدبلوماسي تأمينها.
حادث البرتغال رنّة جرس أخرى لابدّ من سماعها في مكتبَي وزير الخارجيّة ورئيس الحكومة.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...