ماذا لو فرضت الدول العربية والخليجية خاصة “البوركيني” على الفرنسيات والاوروبيات كشرط للسباحة في شواطئها؟ ومن الذي يقف خلف “الاستفزاز″ الفرنسي للجالية الاسلامية المحافظة؟ وهل “العري” حرية شخصية و”البوركيني” خدش للحياء؟ وكيف سيستفيد المتشددون من القرار الفرنسي؟

البوركيني

تعيش فرنسا هذه الايام حالة من الجدل لا يجب مطلقا التقليل من اهميتها وخطورتها في الوقت نفسه، لانها تتعلق بمسألة الحريات العامة والشخصية، والتنوع الثقافي وحدوده، والتعايش بين الاديان والمذاهب واتباعها.

نحن نتحدث هنا عن قرار صدر عن عدة مدن وبلدات فرنسية يمنع ارتداء المسلمات “البوركيني” لباس البحر الشرعي المفضل بالنسبة الى المسلمات الملتزمات بتعاليم دينهن الاسلامي الحنيف.

رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس اكد في مقابلة صحافية جرى نشرها امس، انه يتفهم قرارات الحظر هذه، وقال لصحيفة “لابروفنس″ التي تصدر في جنوب فرنسا “ان الشواطيء الربح من تيك توك وكذلك جميع الاماكن العامة يتعين ان تكون خالية من المزاعم الدينية”.

موقف رئيس الوزراء الفرنسي يصب في مصلحة الاحزاب والجماعات التي تطالب بمنع “البوركيني”، من منطلقات عنصرية سياسية معادية للاسلام والمسلمين، والاجانب بشكل عام، واكثر من عبر عن هذا التوجه روبير مينار عمدة بزييه الذي غرد على التويتر قائلا “حان الوقت لنشرح لهؤلاء الاهالي ان فرنسا ليست مملكة عربية من القرن العاشر”، واستيفان رافييه، ممثل الجبهة الديمقراطية اليمينية المتطرفة وعضو البرلمان عن مرسيليا، الذي قال “هؤلاء يضعون انفسهم على هامش مجتمعنا”.

الحكومة الفرنسية منعت النقاب، مثلما منعت الحجاب في المدارس والاماكن العامة، وربما تكون هناك وجهة نظر تلقى قبولا في اوساط الفرنسيين، وبعض المسلمين، تقول ان “النقاب” او “البرقع″ ليس ملزما للمسلمات، كما ان كشف الوجه لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية والسنة والمحمدية، علاوة على كونه، اي “النقاب”، ربما يشكل خطرا امنيا حسب راي هؤلاء، لانه يخفي الوجه،  ولكن منع “البوركيني” او لباس السباحة الاسلامي يعتبر انتهاكا صارخا للحريات الشخصية التي نص عليها الدستور الفرنسي نفسه.

ما هو الخطر الذي يمكن ان يترتب على السيدات الفرنسيات او غيرهن، اللواتي يرتدين “المايوه”، من امرأة او فتاة مسلمة ترتدي “البوركيني”؟ وهل ارتداء هذا “الزي” يخدش الحياء العام مثلا، او يشكل مشروعا ارهابيا يهدد حياة السباحين؟

الفرنسيون والاوروبيون في المملكة العربية السعودية يسبحون بملابس البحر التي تخفي القليل من اجسادهم، في شواطيء شبه عامة، او خاصة، في مدينة جدة على البحر الاحمر، والدمام على الخليج، والسلطة تعرف ذلك ولم تحاول منعهم، ويفعلون الشيء نفسه في معظم الشواطيء والفنادق الخليجية في دول محافظة، ولم تقم حكومات هذه الدول بفرض “البوركيني” على النساء الاوروبيات وتمنع ارتداء “البكيني” التزاما بتعاليم الدين والشريعة، وهي دول تصنف في قوائم التخلف من قبل الحكومات الغربية، لانها عربية مسلحة محافظة.

هذه القرارات التي تعكس عقليات عنصرية تحت ستار الحفاظ على العلمانية، تشكل استفزازا لاكثر من ستة ملايين مواطن فرنسي مسلم في فرنسا، وتصب في مصلحة القلة المتطرفة، وخططها التي تعارض الاندماج والتعايش، وتحرض على اعمال العنف والارهاب.

جميعة اسلامية فرنسية ردت على هذا “الاستفزاز″ بحجز مسبح خاص يوم 17 ايلول (سبتمبر) المقبل بكامله، ودعت النساء المسلمات واطفالهن تحت سن العاشرة بارتداء “البوركيني”، في مظاهرة طابعها التحدي، ورفض القرار الذي تعتبره الجمعية مجحفا بحق المسلمين، وربما ستدخل هذه المظاهرة التاريخ كمظاهرة “البوركيني”.

ارتداء مايوه لا يخفي شيئا من الجسد، او خيط رفيع لا يستر شيئا، او حتى السباحة بدون حمالات صدر، او حتى بدون اي ملابس، هذا يعتبر حرية شخصية يحميها القانون، اما ارتداء ملابس بحر محتشمة تستر العورات فهذا امر مخالف للقانون والعلمانية.. انه قمة الاستفراز والعنصرية والتجبر.

السلطات الفرنسية والبلدية منها خاصة، ترتكب خطأ كبيرا باقدامها على هذا الحظر، وفي مثل هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه اعمال التحريض الارهابية التي تُرجمت تفجيرات دموية حصدت ارواح الابرياء من الفرنسيين والبلجيكيين والاوروبيين الآخرين.

المتطرفون المسلمون سيعتبرون مثل هذه القرارات “هدية” انتظروها طويلا، لانها ستسهل تحقيق اهدافهم في احداث شرخ بين الاوروبيين المسلمين والدول التي تحتضنهم، وتجنيد المحبطين، وهم قلة القلة، في صفوفهم ودفعهم للاقدام على اعمال التفجير الارهابية.

انه “استفزاز″ غبي ومدمر بكل المقاييس، ونعتقد ان هناك جهات تقف خلفه، لا تريد الاستقرار والامن والتعايش والاندماج في الدول الاوروبية والغربية، وفرنسا على وجه التحديد.

“راي اليوم”

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...