ستالينغراد عراقية … بقلم أحمد عبد المجيد

صمود مدينة حديثة

ستالينغراد عراقية … بقلم أحمد عبد المجيد

احمد عبد المجيد

ستالينغراد عراقية – بقلم أحمد عبدالمجيدتصمد المدن ليس بقلاعها العالية المتينة، ولا بالأسلحة التي تمتلكها، برغم ان ذلك يعزز مطاولتها امام العدو، بل يبدأ صمود المدن من داخل حدودها وبالتحديد من نفوس سكانها، من الرجال والنساء والأطفال، الذين يرفضون الاستسلام ويمضون بجهادهم ضاربين الأمثلة ومقدمين النماذج الحية على الصبر والمطاولة وتسجيل المآثر.

في الحرب العالمية الثانية ضربت مدينة فولغو غراد او ستالينغراد، التي سميت نسبة الى باني الاتحاد السوفياتي السابق جوزيف ستالين الزعيم العقائدي الذي قاد حرب بلاده ضد الهجوم النازي الألماني وحقق ما كان ضربا من الاساطير في التاريخ. وسجلت المدينة مآثر مازال الروس وحلفاؤهم يعتزون بها ويقفون اجلالا لاهلها. ولولا روح اهل ستالينغراد واستعدادهم لقبول الخسائر الجسيمة واصرارهم على الحاق الهزيمة بالعدو لما امكن لمدينة تعرضت للدمار والجوع والابادة ان تخرج بقامة مرفوعة وإرادة حديدية. لقد ضربت مثلا يحتذى به ومازال المؤرخون يدرسون هذه المأثرة ويعدونها حالة استثنائية في المقاومة البشرية، فهي احدى اهم المعارك الكبرى والفاصلة في التاريخ، وهي التي ادت على مدى 400 سنة دورا مهما في تاريخ الدولة الروسية وسميت معركتها ملحمة القرن العشرين مثلما عدت نقطة تحول في الحرب العالمية ومقبرة للنازية.

مدينة حديثة العراقية تذكرنا بالمدن الأسطورية التي ظلت واقفة على قدميها رافضة الهوان والاستسلام المذل للارهاب. ومنذ 478 يوما ترفع عشائر المدينة سلاحها بوجه الهجمة السوداء والحقد الاعمى، لقد خاضت معارك حاسمة وأوقفت ما يوازي 90 اعتداء كبيرا و200 تعرض وتصدت ببسالة نادرة للنيران التي اطلقها داعش على 100 الف مدني من أهاليها عبر 800 صاروخ. ولو لم يكن رجال حديثة ونساؤها وشيوخها واطفالها على درجة نادرة من الصلابة لرفعت المدينة الراية البيضاء. لكن عشائر الجغايفة والبونمر والبومحل والبوعبيد والدليم، الكريمة الظافرة تحملت شرف الدفاع عن حديثة وما تحتاجه مقاومة داعش من دماء وارواح، ولعلها منحت حتى الان اكثر من 275 شهيدا و1120 جريحا خلال العمليات العسكرية التي خاضتها القوات الأمنية، كتفا الى كتف، مع مقاتلي الحشد الوطني دفاعا عن هوية مدينة تأبى ان تغادر خارطة العراق وتزحف على ركبتيها للانضمام الى الموت والعار.

ان حديثة حالة نادرة جدا من البسالة في هذا الزمن الاغبر، الذي اختلطت فيه الأوراق وتعالت فيه الأصوات النشاز وتعامت فيه الابصار عن رؤية الحق وانحازت الى الباطل من منطلق جاهل، يقدم الطائفة على الهوية الوطنية ويتوسل بالقومية على حساب المبدأ الأخلاقي في العيش الكريم على ارض الحرية.

ان آلاف الشهداء الذين رووا ارض العراق بدمائهم الزكية ينظرون من عليين الى حديثة زافين لها بشارات النصر ومعلنين وقوفهم الى جانب أهلها الكرام. انها تذكرنا بالمآثر العظيمة التي سطرتها مدن البركة والخير والوفاء الى الإنسانية جمعاء. ولو ان حديثة لم تصمد هذا الصمود البطولي لتحققت لداعش، لا سمح الله، نواياه في الثأر من أهلها وسحق عوائلهم وتدمير ممتلكاتهم وسبي نسائهم، لكن العقال والكوفية فوق رأس اهل حديثة يأبى قبول هذا الموقف، ولو تطلب الامر مزيدا من التضحيات.

مبارك لاهل حديثة هذا التاريخ الناصع الذي سطروه.. انه مفخرة عراقية سيصار الى تدريسها في ارقى المعاهد العسكرية وسيظل موضع اعتزاز المواطنين الشرفاء، جيلا بعد جيل، مثلما ظلت مآثر أهلنا في مدن الثورات والانتفاضات والصمود خالدة ترصع سماء البلاد بالنجوم ويعجز الشر عن إطفاء شعلتها المضيئة.

تحية لحديثة، مدينة أصدقائي واهلي واحبتي، ولو إني لست من اصلابهم. تحية لملحمة حديثة التي ستوصف بمقبرة داعش. تحية لستالينغراد العراق..

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...