هل ضاعت فرصة العبادي في حلّ مشكلات العراق؟ (كتابة حميد الكفائي)

العبادي

هل ضاعت فرصة العبادي في حلّ مشكلات العراق؟ (كتابة حميد الكفائي)

حميد الكفائي

خرجت الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في العراق، في ما يبدو، عن نطاق قدرات رئيس الوزراء حيدر العبادي، على رغم محاولاته الحثيثة، لكن غير المجدية، لحلّها. وإن كان صعباً تحديد أي من تلك الأزمات أكثر إلحاحاً، فالمؤكد أن كلاً منها ينتظر حلاً عاجلاً مع الاعتراف بوجود تداخل بينها.

الأزمة المالية بالتأكيد تشكّل العبء الأكبر على رئيس الوزراء، لأنه يواجه معضلة توفير الأموال اللازمة لتمويل جهود الدفاع والأمن والتنمية الاقتصادية والخدمات، في ضوء تراجع الإيرادات نتيجة لانخفاض أسعار النفط، لكن الأزمة الأمنية الضاغطة تفاقم الأولى لأنها تستهلك أموالاً طائلة من جهة، وتُضعِف الثقة في الاقتصاد العراقي من جهة ثانية، بحيث تعيق الاستثمار وتجعل الحصول على القروض أو إصدار السندات أمراً صعباً ومكلفاً.

أما الأزمة السياسية المرتبطة بالأزمتين المالية والأمنية، فأضعفت رئيس الوزراء أمام الكتل السياسية الأخرى، بسبب الانقسام غير المعلن لكتلته (دولة القانون) إلى شطرين على الأقل، أحدهما منتقد لأدائه، وهو الأقوى، يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والثاني داعم له لكن ربما بشروط. وهذا الضعف جعل العبادي يعتمد على دعم الكتل الأخرى في التحالف الوطني، بخاصة كتلتي «المواطن» بزعامة عمار الحكيم (٣١ مقعداً)، و «الأحرار» بزعامة مقتدى الصدر (٣٥ مقعداً)، إضافة إلى «الإصلاح» بقيادة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري (٦ مقاعد) و «الفضيلة» (٧ مقاعد).

لم يكن رئيس الوزراء موفقاً من الناحية السياسية في إصلاحاته الأولى، خصوصاً قراره إقالة نواب رئيس الجمهورية (إياد علاوي وأسامة النجيفي ونوري المالكي)، ونواب رئيس الوزراء (صالح المطلك وبهاء الأعرجي وروز نوري شاويس)، لأن معظمهم كان مؤيداً له وقد جاؤوا وفق الاتفاق السياسي الذي جاء به إلى السلطة. وبذلك، يعتبر قرار إقالتهم نقضاً للاتفاق من جانب واحد، ما دفع الزعماء الستة إلى الوقوف ضده سواء في السر أو العلن. لقد خسر العبادي حلفاء كان في أمسّ الحاجة إلى دعمهم، من دون أن يحقق أي مكسب سياسي أو يوفر مالاً وفيراً لخزينة الدولة.

كما أن سيطرة الجماعات الإرهابية على محافظتي الرمادي ونينوى وتهديدها محافظتي ديالى وصلاح الدين، وعدم تمكّن القوات العراقية من إخراجها من تلك المناطق بالكامل، جعلت رئيس الوزراء يعتمد اعتماداً كلياً على قوات المتطوّعين من «الحشد الشعبي». وقد رفع هذا الاعتماد الأمني على «الحشد» من شعبية قادته الذين أصبحوا ينافسون على الزعامة، ومن المحتمل أن يكون لهم تمثيل أوسع في البرلمان المقبل، ربما على حساب كتلته.

الاحتجاجات الشعبية في عموم العراق ما زالت متواصلة، وهناك شعور عام بأن العبادي لن يتمكّن من تحقيق الإصلاحات التي ينشدها المتظاهرون، ولا حتى كبح الفساد أو إصلاح الجهاز القضائي الذي لم يعد محل ثقة كثر بسبب الانطباع السائد بأنه مسيّس. كما أضاف تخفيض الرواتب استياءً جديداً أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في العديد من قطاعات الاقتصاد، خصوصاً أن بعض التخفيضات تعدّى الخمسين في المئة. اللجان التي تتّخذ تلك القرارات غير معلنة ولا أحد يعرف كيف تتوصّل إلى قراراتها.

المعروف في الدول التي تواجه أزمات اقتصادية، أنها لا تلجأ إلى تخفيض رواتب صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود، لأن هؤلاء هم الشريحة الأكبر والأضعف في المجتمع، وهم الأجدر بالحماية وليس استهدافهم لتوفير الأموال. الإجراء المتّبع في مثل هذه الحالات، تعديل نسب ضرائب الدخل والمبيعات على سلع وخدمات مختارة بعناية وتجميد العلاوات لسنوات عدة. ويعدّ الإجراء الأخير تخفيضاً فعلياً للقدرة الشرائية، وإن لم يكن تخفيضاً للقيمة الاسمية للرواتب، لأن قيمة الأموال تنخفض دائماً بمقدار معدل التضخم، فإن كان الأخير يساوي ٥ في المئة (التقديرات الرسمية أدنى من هذا، لكن الحقيقة ربما ضعف هذه النسبة)، فإن تجميد العلاوات لثلاث سنوات مثلاً، يخفض الرواتب بنسبة ١٥ في المئة، وفقاً لطريقة «الخط المستقيم» الحسابية. أما وفق الطريقة التراكمية، فانخفاض قيمة الرواتب سيكون أكبر.

دعم المؤسسة الدينية لرئيس الوزراء لم يعد كالسابق في رأي كثر، وعلى رغم أنه قام أخيراً بزيارة عدد من مراجع الدين في النجف، إلا أن المرجع الأعلى، علي السيستاني، وهو الأوسع نفوذاً وتأثيراً في العراق، لم يستقبله، ما أعطى انطباعاً بأنه غير راض عن خطى الإصلاحات التي ما زال وكلاؤه والمتحدثون باسمه يطالبون بها.

وهناك أحاديث في الأوساط السياسية حول احتمال تغيير العبادي والإتيان بشخص آخر يسرّع خطى الإصلاحات، إلا أن التغيير في الموقع الأول سيكون صعباً في الظروف الحالية مهما كان أداء العبادي غير مرضٍ للبعض. كما أن إجراء انتخابات مبكرة في الوقت الحاضر سيكون أصعب بسبب سيطرة جماعة «تنظيم الدولة» على محافظتين مهمتين هما نينوى والأنبار، ولا يمكن إجراء انتخابات عامة من دونهما لأن تمثيل الطائفة السنية سينخفض إلى النصف تقريباً، وهذا لا يساعد على ظهور برلمان وحكومة متوازنين. هناك تقدّم في جبهة الأنبار، ومن المحتمل أن تتحرّر المحافظة من سيطرة «تنظيم الدولة» خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن خطة تحرير الموصل لا تزال غامضة على رغم تزايد الجهد الدولي لمحاربة التنظيم بعد الهجوم الأخير في باريس.

قبل أربعة أشهر، كانت أمام العبادي فرصة تاريخية لإصلاح الأوضاع، وقد حصل على التأييد السياسي والشعبي المطلوب، لكنه تردّد وتأخر واتخذ خطوات خاطئة، ما أضعف الزخم المساند له. ربما لم تضع الفرصة كما يعتقد كثر، إذ ما زال في إمكانه تصحيح المواقف السابقة والبدء بإصلاحات حقيقية توفر المال المطلوب لتسيير عجلة الدولة والنهوض بها أمنياً واقتصادياً وسياسياً من دون الإضرار بذوي الدخل المحدود. وفي إمكانه أيضاً، استثمار الموقف الدولي الحالي المعبأ ضد الإرهاب لمصلحة العراق، والحصول على دعم أكبر لخوض معركة الموصل والقضاء كلياً على الجماعات الإرهابية.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...