((أخجل أن أتذكر))..!! بقلم غسان شربل

الكاتب غسان شربل1

«أنت صحافي وتبحث عن موضوع مثير. أحترم صبرك وإلحاحك. ولا أُخفي عليك أن الشيخوخة موحشة وقاسية. تتركك وحيداً مع ذكرياتك بحريرها وخناجرها. ولا أنكر أن المرء قد يجد عزاءً حين يرى قصته منشورة في صحيفة محترمة لتنام لاحقاً في كتاب. في النهاية لا يبقى من المرء، مهما كان شأنه ودوره، غير حفنة سطور. هذا إذا بقي شيء. النسيان سيّد الأجيال».

وأضاف: «فكرتُ طويلاً في الأمر. كل مذكّرات يكتبها عربي اليوم هي مجرد اعتراف بالفشل. لو نجحنا لما كان صحافي مثلك يبحث عن مذكراتنا. كانت بالتأكيد أقل إثارة. وأنا مذكراتي لن تكون أكثر من اعترافٍ بفشل العمر الذي أنفقته مدافعاً عن فكرة. واعتراف جديد بفشل القطر الذي أنتمي إليه. والأمّة المستباحة اليوم على يد المتعصّبين من أبنائها، وعلى يد الشراهات الإقليمية والدولية».

«ليس الخوف هو ما يمنعني من نشر المذكّرات. إنه الخجل. أخشى أن أواجه جيل أبنائي وجيل أحفادي. لم نترك لهم شيئاً. لا دولة صالحة للعيش. ولا مؤسسة محترمة. وصورتنا لديهم باتت مرتبطة بالتسلُّط والجشع والقهر والقتل وتبديد الموارد. صورتنا مرتبطة بالدم والسجون والتصفيات، ثم بفتح أبواب بلداننا أمام القوى التي كنا نزعم محاربتها وإحباط مخططاتها».

«لديَّ الكثير لأقوله. كنت في قلب المعارك والأحداث. أعرف الكثير عن عبدالسلام عارف وشقيقه. وأحمد حسن البكر. وصدام حسين. وعلي صالح السعدي. أعرف الكثير أيضاً عن صلاح جديد، وحافظ الأسد. كل هؤلاء عايشتُهم وعملتُ معهم. واتفقنا واختلفنا. وقبل كل هؤلاء ميشال عفلق الذي لم يكن يريد بعثاً مؤيداً للانقلابات العسكرية لكن الوقائع غلبته».

«هل تريدني أن أحكي لك عن تجربة الرفاق في العراق. عن إنجازاتهم وأخطائهم. ينكسر قلبي حين أقول كلمة العراق. عن أي عراق نتحدث؟ أين وحدته؟ وسيادته؟ وعروبته؟ بعض العراق رهينة لدى داعش والبغدادي، وبعضه الآخر يضج بالميليشيات المذهبية التي تنتظر تعليمات الجنرال قاسم سليماني. لم يعد يهمني البعث ولا صدّام. لكن تضخيم ارتكاباتهما وهي كبيرة، استُخدِم لإنهاء بلد عربي هو العراق. دعني أُسجّل للتاريخ. كان صدّام قاسياً ومتسلطاً، لكنه كان عراقياً وعربياً ولم يكن مذهبياً».

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...