كلُّهم حراميّة!… بقلم عدنان حسين

عدنان حسين

لا شيء مدهشاً.. لا شيء مذهلاً.. لا شيء صادماً.. لا شيء مدوّياً.. لا شيء مُجلجلاً.. لا شيء مزلزلاً.. ولا شيء يثير العجب أو يدعو إلى الاستغراب. كلّ ما جرى في اليوم البرلماني الطويل أول من أمس ليس سوى تفصيل ضئيل في قضية الفساد الإداري والمالي في دولة الإسلام السياسي.. إنه حَجَرٌ متناهي الصغر في جبل الفساد الرازح على صدور العراقيين والساحق أرواحهم، الذي هو بمساحة العراق كلّها وبارتفاع المجال الجوّي العراقي.

كلّ الأسماء التي ترددت في جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي، بوصفها فاسدة أو مفسدة أو متسترة على الفساد، معروفة لأغلب العراقيين.. معروفة من فرط تداولها على مدى السنين الماضية في المجالس الخاصة والعامة وفي أوساط الإعلام التقليدي والإعلام الجديد.. وإلى جانبها ثمّة المئات من الأسماء الأخرى الفاسدة والمفسدة والمتسترة على الفساد من أعضاء مجلس النواب والوزراء وكبار مسؤولي الدولة في العاصمة وفي سائر المحافطات من البصرة إلى إقليم كردستان.
أَحيلوا أيّاً من هذه الأسماء إلى محرّكات البحث الإلكتروني، غوغل وأخواتها، فستتدفّق عليكم المعلومات التي دوّت بها قاعة مجلس النواب أول من أمس، كما لا يتدفّق المطر في بغداد ويُغرق شوارعها وأحياءها البائسة في عزّ الشتاء. بل سيتكشّف لكم كنزٌ أكبر من المعلومات التي يعرف الكثيرَ منها الأعضاء الحاليون والسابقون في مجلس النواب ومجلس الوزراء وهيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية ومجلس القضاء الأعلى، وظلّوا يتستّرون عليها مع سبق الإصرار والترصّد، فالتستّر (التقيّة) من القواعد المقدّسة لبزنس دولة الإسلام السياسي.
العراقيون جميعاً يمتلكون أوثق الأدلّة وأثبتها وأنصعها على فساد الطبقة السياسية التي حكمتهم منذ 2003. إنّهم لا تحدوهم رغبة بأن يعرض وزير الدفاع أو سواه وثائقه على شاشة الداتو شو في مجلس النواب ليصدّقوا بما جاء في المعلومات عن التوسطات والضغوط والإغراءات والابتزازات والتهديدات الصريحة والمُبطّنة والكوميشنات المفروضة على عقود الدولة. إنهم يتحسّسون هذا كله وغيره ويتلمّسونه بحواسّهم الخمس.
لا يحتاج العراقيون إلى الوثائق المكتوبة أو المسجّلة صوتيّاً أو المصوّرة بالكاميرات لكي يقتنعوا بأنّ حكّامهم جميعاً، وبخاصة قادة وزعماء وعرّابي الإسلام السياسي، غارقون في مستنقع الفساد من هامات رؤوسهم إلى أخامص أقدامهم.. مئات مليارات الدولارات النفطية المختفية دليل.. الاغتناء الفاحش لأفراد هذه الطبقة دليل.. خراب الزراعة والصناعة دليل.. انهيار أنظمة الخدمات العامة، الصحة والتعليم والكهرباء والماء والصرف الصحي دليل.. معدلات الفقر والبطالة التي لا مثيل لها حتى في الكثير من البلدان غير النفطية دليل.. انهيار المؤسسة العسكرية والأمنية في عهد الحكومة السابقة أمام عصابات داعش الإرهابية وتمكينها من احتلال ثلث مساحة البلاد دليل.
منذ أربعة أيام كتبتُ هنا عن الحراميّة إذا اختلفوا.. ما حصل في مجلس النواب أول من أمس صورة واقعيّة مثاليّة ونمطيّة لما يجري عندما يختلف الحراميّة ويتعاركون.. كلُّهم حراميّة.

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...