متوسط عمر الحكومات والتأسيس للمستقبل.. ( مقال تحليلي) بقلم مروان المعشّر

في غیاب الحیاة السیاسیة الحزبیة في البلاد، حیث تشكل حكومات برلمانیة وفقا لبرامج تنتخب على اساسھا من الشعب، لیس من المستغرب ان یكون متوسط عمر الحكومات في الأردن لا یتجاوز السنة الواحدة. ولا یرتبط ھذا المتوسط بطبیعة اي حكومة، محافظة كانت ام لیبرالیة ام بین بین، بقدر ما یرتبط بظروف معینة، وھي عدیدة، تحدد متى تأتي حكومة ومتى ترحل، وفي غالب الاحیان دون ان یعرف الناس القدر الكافي عن أسباب المجيء او الرحیل.

لا بد والحالة ھذه ان یدرك اي رئیس حكومة ان الوقت الذي سیقضیه في الدوار الرابع لن یسمح له باجتراح المعجزات، ولذا فأمامه طریقان: اما ان یبدأ بوضع اللبنات التي من شأنھا التأسیس لبناء دولة المؤسسات وھو یعرف انه لن یكمل المشوار، غیر آبه بالعراقیل التي یتم وضعھا أمامه، واما ان یغرق في التفاصیل، ویحاول ارضاء اكبر عدد ممكن من القوى في البلاد، فتأتي حكومتھ خلیطا غیر متجانس وبالتالي عاجزة عن دفع العجلة الى الامام. وفي الحالتین، فإن القرارات المھمة یتم اتخاذھا عادة في الأشھر القلیلة الاولى حین تحظى الحكومة بشھر عسل من الجمیع، فان انقضت ھذه الأشھر، تنشغل الحكومات عادة بصراعات عدة داخل الحكومة وخارجھا تنھك قواھا وتؤدي في النھایة لتغییرھا.

حكومة د. عمر الرزاز لم تسلم من ھذه المتناقضات. لكن الرئیس الذي جاء بناء على رضا شعبي كبیر، اختار التریث في اشھر الحكومة الاولى، ومحاولة ارضاء الجمیع حتى انتھى الى عدم ارضاء احد. كانت التوقعات ان یكون مختلفا، وان تكون الحكومة صاحبة قرارات في أشھرھا الاولى تقنع الناس انھا تعمل في مجال بناء دولة المؤسسات، لا سن قانون جدید للضریبة فقط، فجاء اختلافه عن غیره احیانا كثیرة لفظیا ومصحوبا بالنیة الحسنة دون اقرانھا بالخطة والارادة المقنعة. فكانت النتیجة خلیطا عجیبا من المحافظین واللیبرالیین داخل الحكومة، وبقیت الممارسات السابقة، بینما تتصارع القوى المختلفة داخل حكومته قبل ان تتصارع خارجھا. وفي النھایة، لم تشفع له نظافته ولا نیته الحسنة ولا مقاربته الأكادیمیة في البدء بالتغییر المطلوب، بل ادى تردده والتناقض داخل حكومتھ للتخبط، فكانت الأزمات المتلاحقة وغیر الضروریة، وآخرھا أزمة التعیینات.

الجزء المحافظ في الدولة والمجتمع مسرور جدا مما آلت الیه اوضاع الحكومة، وھا قد بدأ یحذر الأردنیین من ھؤلاء اللیبرالیین الذین لم یفعلوا شیئا ویبشر بعودة المحافظین، وكأن المحافظین كانوا قد غادروا. ینسى ھذا المكون انه في خضم الصراع العقیم بین اللیبرالیین والمحافظین لا یسلم احد منا جمیعا من المسؤولیة. وینسى ایضا ان الازمة الاقتصادیة الخانقة التي مر بھا الأردن العام 1988 وقعت بینما كان المحافظون في الحكم ما اضطر الأردن للذھاب الى صندوق النقد الدولي للمرة الاولى. في غیاب دولة المؤسسات، ونظم المراقبة والمحاسبة، فإن الجمیع یتحمل قسطا من المسؤولیة.

لا نعرف بعد مدى طول عمر ھذه الحكومة، وان كانت ھي تساھم في تقصیر مدتھا، بسبب ترددھا وعدم وضوح بوصلتھا. اما الحكومة القادمة، فلم یعد مھما ان كان رئیسھا محافظا اولیبرالیا، لأن أیا من الصفتین لا تعني بالضرورة وجود الارادة الحقیقیة لبناء دولة المؤسسات. ولعل ھذه ھي المسطرة التي یجب ان یقاس اداء الحكومات القادمة بموجبھا. ھل تتحلى الحكومة القادمة بالجرأة في قراراتھا بما یسمح بالتأسیس لدولة المؤسسات غیر أبھة بمدة بقائھا في الحكم؟ وھل ھي مستعدة لمجابھة القوى المعترضة للتغییر ام انھا ستقع ھي الأخرى في التنازلات والتفاھمات؟

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!