شرارة الحرب الأمريكية – الإيرانية ستنطلق من هنا..!! (تحليل) بقلم ضياء الوكيل

التحذير الموجه لإيران الذي ورد في بيان البيت الأبيض يوم الأربعاء 12 أيلول 2018 على خلفية قصف السفارة الأمريكية في بغداد وقنصليتهم في مطار البصرة خطير جدا وينطوي على الكثير من رسائل التهديد ( الصريحة والمبطنة) وينذر بعاصفة من العنف والحرائق قد تجتاح المنطقة في أي وقت .. وسأحاول عبر هذا التحليل المقتضب تقديم قراءة أولية لبعض الجوانب المعتمة للبيان الأمريكي ساعيا الى حل ألغازه وقراءة ما بين سطوره بهدوء وعناية فائقة وكالآتي:

البيان حدد قواعد اللعبة بين واشنطن وطهران وفرض معادلات جديدة في الفضاء الإستراتيجي العراقي ورسم الخطوط الحمراء بين الطرفين ولكنه ترك أمرا ملتبسا ضمن المنطقة الرمادية..، وأنا أصفهُ بمفتاح اللعبة الجديدة ويستند على الاستفهام الآتي ( من سيحدد هوية الطرف المهاجم للمصالح الأمريكية على الأراضي العراقية إن حدث ذلك..؟؟ ) في اعتقادي إن هذا هو الصاعق والمفتاح وشرارة الحرب القادمة وأمرهُ سيترك لمكر وتدبير دهاقنة الحرب الخفية في ال)  CIA) واختيار التوقيت لتفجير الموقف في المنطقة سيحتكم إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية وتداعياتها على الأرض وكل الإحتمالات واردة بما فيها دفع ((طرف ثالث مجهول)) لمهاجمة الأمريكان ومصالحهم أو خطف مواطنيهم وقتلهم وبالتالي توجيه الإتهام الى من وصفهم البيان ((إيران ووكلائها)) مما يستوجب ((الرد الأمريكي الحاسم والسريع)) وفقا لما جاء في نص البيان المذكور..!! وعند هذه النقطة المفصلية المتوترة والمرتبكة ستستدرج المنطقة نحو زلزال مريع ودوامة جديدة من العنف والاضطراب والفوضى ميدانها الأراضي العراقية المرشحة لأن تكون ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة..

وهذا السيناريو المفترض يطرح سؤالا مفتاحيا على النحو الآتي:  كيف سترد واشنطن ان تعرضت للهجوم المحتمل؟؟ وما هي الأهداف المرشحة للرد؟؟ في اعتقادي أن أمريكا سترد على الأراضي العراقية ولن تستهدف الأراضي الإيرانية ومن المرجح أن تسند مهمة الرد إلى (الكيان الإسرائيلي) في هذه المرحلة وتقيس ردود الأفعال لتنتقل بعدها إلى الخطوة التالية وأستدل على ذلك بالتهديدات التي أطلقها ((وزيرالدفاع الإسرائيلي ليبرمان)) في الشهر الماضي وهدد خلالها باستهداف ما أسماه (القواعد الإيرانية وحلفائها) في العراق.. ولكن لماذا رجحنا إحجام أمريكا عن التدخل العسكري المباشر رغم تهديدها الصريح والواضح ؟؟ والجواب أن أمريكا لا ترغب حاليا في الإنخراط بنزاع مسلح داخل العراق وستستخدم ((اسرائيل)) شرطي المنطقة الجديد وعصاها الغليظة لتهوي بها على رأس من يعترض على سياسة الهيمنة والنفوذ الأمريكية، وطبعا كل ذلك يقع ضمن تهيئة المسرح الاستراتيجي في المنطقة لتقبل التوازنات والخرائط والخطوط الحمراء الجديدة ومن غير المستبعد أن تلجأ واشنطن الى دفع المزيد من التناقضات (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الأمنية) وتفجيرها بشكل متزامن على مسرح الأحداث تمهيدا لاحتواء المنطقة وردود أفعالها بالتخويف والأزمات والإرهاب والعنف…

وأخيرا فأن الملفت في هذا البيان المأزوم أنه صدر عن البيت الأبيض وليس عن الخارجية والدفاع صاحبتا الاختصاص في الأزمة المذكورة وهذا يعبّر عن مستوى الإنزعاج والقلق لدى الإدارة الأمريكية مما يجري، وأن صياغته افتقرت للياقة الدبلوماسية والدليل أن البيان تجاهل تماما ذكر الحكومة العراقية باعتبارها المعنية بحماية البعثات الدبلوماسية داخل العراق وان واشنطن افترضت نفسها لاعبا وحيدا في حماية مصالحها ومنشآتها وبعثاتها الدبلوماسية والعسكرية سواء على مستوى (التهديد أو التحذير أو الرد) وهذا يعبر عن العقل الاستعلائي الأميركي والنزعة الغاشمة للقوة الأمريكية في التعامل مع العراق وبقية دول العالم مما يستلزم التوضيح والرد من الحكومة والخارجية العراقية..

*مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وعمليات بغداد ( 2012-2013 )

شاهد أيضاً

حكمتُك يا رب.. بقلم ضياء الوكيل

أعرف أن أولادنا هم أبناءُ الحياةِ وبُنَاتِها، وهم رسائل حيّة نبعثها الى زمنٍ لن نراه، وإن كانوا معنا وهم فتيةٌ وصغار، فلهم حياتهم عندما يكبرون، وإنّها لحكمة عظيمة، وسنّة ما لها تبديل، حكمتك يا رب، وهي رحمة وسكينة..