تركيا وإيران تُعطّشان العراق والجفاف كارثة تتهددُ أحواض دجلة والفرات..!! بقلم خالد سليمان

تعاني مناطق واسعة في الجنوب العراقي، من شحّ في المياه، قد يؤدي الى صراعات اجتماعية-قبلية وإلى هجرة محلية بحثاً عن المياه. وتشير المعلومات بأن الأزمة الحالية تسببت بمأساة كبيرة لأغلب سكان الأقضية والنواحي، التابعة لمحافظة ذي قار، حيث تتعرض فيها مشاريع تصفية مياه الشرب، والخطط الزراعية الشتوية، والثروات الحيوانية، إلى خسائر كبيرة نتجت عن الجفاف. وتحذر تقارير محلية إلى أزمة كبيرة، تهدد الحياة البيئية والاقتصادية في محافظة ذي قار، المعروفة بأهوارها التي تمّ وضعها على لائحة التراث العالمي عام ٢٠١٦ . إنها ملامح مرحلة، يظهر فيها العطش، كملمحٍ رئيسي من ملامح مرحلة ما بعد داعش.

وشكلت صور العطش ذاته جزءاً من بيان مؤتمر أمن الكوكب حول المياه، الذي عقد في مدينة لاهاي الهولندية منتصف هذا الشهر، حيث اعتبر في مقرراته أن الموارد المائية، تكمن وراء جميع التحديات في عراق ما بعد «داعش»، ذاك أن تحقيق الاستقرار كأولوية أولى في عراق اليوم، يأتي من خلال إدارة عادلة للموارد الطبيعية المستدامة. إنما لأزمة المياه الحالية، أسباب كثيرة، منها سوء الإدارة والتجاوزات المحلية على الحقوق المائية، تأخر هطول الأمطار، والتحكم التركي بإطلاق كميات المياه في نهر الفرات، حيث يشكل مورداً لعدد من محافظات الجنوب العراقية.

كان المؤتمر الثالث لأمن الكوكب، لمناقشة الطرق التي يتم بموجبها اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن مخاطر تغير المناخ والأمن العالميين، فرصةً للإطلاع على مواقف سياسية، اكتشف المسؤولون العراقيون من خلاله، أن بلدهم مصب لنهري دجلة والفرات، كما أنه أسير لكل من تركيا وإيران، فيما خصّ حقوقه المائية، ذاك أن مشكلة المياه العابرة للحدود، تكمن في قلب التوترات الجيوسياسية في المنطقة، حيث تبدو فيها فرص تحقيق السلام الدائم في العراق، شبه مستحيلة دون الاعتراف بحقوقه وفقاً للقوانين الدولية.

قال وزير المصادر المائية العراقي حسن الجنابي في مؤتمر، “أمن الكوكب”، “اكتشف العراقيون مؤخراً بأن بلادهم مصب لنهري دجلة والفرات”. لم يذكر الوزير تاريخ هذا الاكتشاف، إنما يمكن إرجاعه إلى الزيارة الأخيرة، التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تركيا قبل نحو شهر. لقد أشار البيان الرسمي الحكومي الذي سبق تلك الزيارة إلى، “رؤية العراق لمستقبل المنطقة، وتوجهه الجديد في مرحلة ما بعد الانتصار على داعش، وحفظ وحدة العراق وسيادته الوطنية على كامل أراضيه..” لم يسمع الرأي العام العراقي غير هذا البيان، وكانت الحكومة العراقية، ممثلة برئيسها، ذاهبة إلى أنقرة لحثّ تركيا على إغلاق المعابر الحدودية مع إقليم كردستان، الا ان الخبر الذي سمعه العبادي من المسؤولين الأتراك وضعه في موقف لم يحسد عليه.

قال المسؤولون الأتراك لرئيس الوزراء العراقي، إن بلادهم ستبدأ بتخزين المياه في سدّ أليسو الضخم على نهر دجلة بعد ستة أشهر، وهو جزء من مشروع الأناضول الكبير (الغاب)، لكنهم أشاروا في نفس الوقت إلى أن بلادهم “لن تُعطّش العراق”. كان للأتراك شروطهم فيما خص المياه واحتياجات العراق، وهي شروط لا تعني سوى فرض استجداء المياه على العراقيين، ونسيان القوانين الدولية. لا يريد الأتراك الاعتراف بمصطلحات مثل الأنهار الدولية، وحقوق المياه الدولية والمفاوضات. إن هذه النقاط  الثلاث بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هي بنود، عفا عليها الزمن، تم تحديدها في اتفاقية دولية من قبل الأمم المتحدة عام ١٩٩٧. ذكر الوزير حسن الجنابي هذه النقاط، في جلسة خاصة حول ندرة المياه في العراق، أمام خبراء الأمن والمياه الدوليين في المؤتمر المذكور، كما أشار إلى أن تركيا وإيران، تبنيان السدود وتتصرفان بمنابع الأنهار، دون أخذ العراق واحتياجاته المائية في الحسبان. لقد عاد حيدر العبادي إلى بغداد وليس أمامه سوى بضعة شهور لتعبئة “خزانات” المياه العراقية، ذاك أن اعلان تخزين المياه في السدّ المذكور يقلل أكثر من ٤٠% من مياه نهر دجلة، وليس للعراق كلمة في هذا المجال سوى الطلب من المسؤولين الأتراك بتأجيل التخزين لشهر يونيو/حزيران ٢٠١٨.

أشار إعلان لاهاي بشكل واضح إلى أن الحصول على المياه العذبة وخدمات الصرف الصحي الأساسية، والحاجة لاتباع برامج طويلة المدى، في سبيل تحقيق الأمن المائي، وبذل الجهود لتعزيز التعاون بشأن الأنهار الدولية، هي خطوات أساسية لأية استراتيجية تهدف الى تحقيق الاستقرار وبناء السلام في العراق، ولا يمكن تأجيلها. ولكن لا يبدو هذا الكلام أكثر من جمل إنشائية، ذاك أن مفاتيح النهرين بيد كل من تركيا وإيران. على العكس من ذلك، يمكن القول بأن المشاريع التركية والإيرانية على الأنهار الدولية ، وتحديداً مشاريع تركيا على النهرين، ستؤدي إلى اتساع مساحة العنف بسبب الهجرات من أجل الوصول إلى المياه، وإلى التلوث البيئي وشلّ الاقتصاد والزراعة في العراق، إذ أنه ليس من المستبعد، أن تتحول ندرة المياه إلى منبع لتلوث المنطقة، ولتصاعد صراعات قبلية-اجتماعية، لا يقل عنفها عما شهدته البلاد في العقود الأخيرة، وما تشهده المنطقة برمتها اليوم.

ولكن هل تنجو تركيا وإيران من آثار الأضرار البشرية والاقتصادية والبيئية، التي ستلحق بالعراق نتيجة السيطرة على مصادر حقوقه المائية، وتجفيف أراضيه في العقود القادمة؟

إنه سؤال يجيب عليه “العطش” قبل السياسات، فالسكان لا ينتظرون الموت عطشاً، ليتوجهوا إلى المنابع. أما تخريب الأهوار العراقية، فسيؤثر على النظام البيئي للمنطقة كلها، وليس فقط على الجنوب العراقي وحده. وبالتالي، يتحرك البشر ومعهم الذرات الترابية الخارجة من قلب الجفاف  بحثاً عن المياه والاستقرار، ولا أحد يوقفهما عن الحركة من أجل ذلك. أي أن الجميع يدفع فاتورة استخدام المياه كسلاح ضد القاطنين في بلاد المصبّ، ولن يقبل أي منطق وجود بحيرة أليسو الزرقاء بالقرب منا، بينما نحن نصطاد السراب.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!