أطباء بلا إجور .. بقلم طالب سعدون (عن جريدة الزمان)

الانسانية قاسم مشترك بين جميع من يحمل إسمها ، ويتحلى بصفاتها ، بغض النظر عن دينه ، وانتمائه ، أو أي ( مسميات تقسيمية ) على اساس العنصرية ، والعرقية ، والقطرية والطبقية …

ولذلك تتعدى الانسانية الحدود الجغرافية ، فتجد من  المبادرات الانسانية ( الاغاثية  ) أو ( العلاجية ) ما تشمل العالم  كله بنشاطالتها ، دون أي اعتبار لكل تلك المسميات الفرعية ..

وتظهر قيمة هذه المبادرات أكثر في الظروف الاستثنائية الصعبة التي عادة ما يكون ضحاياها هم الطبقات الضعيفة في المجتمعات مثل كبار السن ، والاطفال ، والفقراء ..

ومن الطبيعي أن يتصدر الاطباء قائمة  الناشطين في المبادرات الانسانية ، لان عملهم يتعلق بالانسان وحياته ، وهي أثمن شيء عنده ، وتقع عليهم مسؤولية انسانية كبيرة بمعالجة وشفاء المرضى ، بما في ذلك من لا يملك المال لينقذ حياته ، بسبب الفقر ، أو أي مانع  يحول دون ذلك خارج إرادته ..

شيء جميل ويبعث على السعادة أن ترى مبادرة لمجموعة من الاطباء من مختلف الاختصاصات باسم ( أطباء بلا إجور ) تقوم بحملات في المحافظات من إجل  فحص ومعالجة الفقراء وتخفيف معاناتهم الصحية الصعبة….

وتكتسب مثل هذه المبادرة الانسانية  وغيرها قيمتها  الكبيرة من طبيعة الظروف الصعبة التي  يمر بها البلد ، خاصة مع  تراجع مستوى الخدمات في المستشفيات الحكومية ، وارتفاع أجور الفحص في العيادات  الخاصة ، وتكاليف المستشفيات الاهلية الباهظة ، والطفرات السريعة  التي تشهدها ، ودون ضوابط تراعي هذه الظروف ، حيث تصل في بعضها الى أرقام  كبيرة يصعب على المواطن الفقير دفعها .. ومن هنا تتصاعد الدعوات الى الاطباء   بمراعاة ظروف المواطنين  الحالية ، وضرورة أن تأخذ نقابة الاطباء دورها  الوطني ، كمظمة من منظمات المجتمع المدني ، قبل أن تكون نقابة خاصة بشريحة معينة ، ومن واجبها الدفاع عن مصالح وحقوق أعضائها وتحقيق المكاسب لهم ، ولكن ليس أن تترك الاجور في تصاعد سريع ، لا يتناسب مع هذه الظروف ، وان كانت تتناسب مع كفاءتهم بالتأكيد ..

كذلك يقع على نقابة الصيادلة دور مهم في مراقبة وتحديد اسعار الادوية  في الصيدليات ، لأنها الجزء المكمل لعمل الطبيب ، وليس أن تترك الأمر لمزاج أصحابها ، و( جشع  ) بعضهم أو يتعامل مع الدواء كسلعة  كمالية ، خارج المعايير الانسانية وعلاقته بحياة انسان ..

وهناك  الكثير من  المبادرات الانسانية العالمية التي تعبر حدود  الدول  وتذهب لمستحقها ويتعاون فيها أطباء من  مختلف الدول فيما بينهم ، لعلاج  المرضى الفقراء والمحتاجين ،  وإستطاعت أن تصل برسالتها الانسانية الى الملايين من الفقراء في العالم …

 وهناك من الاطباء  المسلمين من يعد  قيامه بمعالجة الفقير ، أو اجراء العملية الجراحية له  واجبا دينيا  ايضا ، وزكاة عن نفسه وماله  ..

ولذلك عندما تعجز الجهات الرسمية والمهنية المتخصصة عن معالجة الموضوع  ، يأتي  دور رجال الدين للدفع باتجاه مثل هذه المبادرات الانسانية بما يحقق مساعدة الطبقة الفقيرة و المحتاجين عموما ، وتوضيح قيمة وأهمية عمل الطبيب ، كونه يتصل بالانسان – خليفة الله في الارض ، وقوام  مهنته ، والركيزة فيها هي الرحمة والاخوة في الانسانية التي تسع كل البشرية ، عابرة للحدود ، ولهذا فان ثوابه لا ينقطع  ، ومستمر على  مدى حياته مادام  في مهنته يراعي الله في خلقه ، ومقياسه الضمير في عمله ..

وتحضرني في هذا المجال فتوى لإحد العلماء المسلمين لتشجيع مثل هذه المبادرات الانسانية بجواز أن تكون من ضمن زكاة الاطباء إجراء عمليات  جراجية وفحوصات طبية لوجه الله  تعالى للمرضى والمحتاجين  ..

 وهذه الفتوى شجعت في حينها الكثير من الاطباء من مختلف الدول على المشاركة في  الاعمال الخيرية والمبادرات الانسانية  لعلاج  الفقراء ، والمحتاجين ، إضافة الى المساعدات التي يقدمها  المتمكنون  والاغنياء للمساهمة في علاج الفقراء..

والعراق اليوم بحاجة الى مثل هذه المبادرات ، و تظافرالجهد والاجتهاد  من رجال الدين والعلماء الافاضل  لتشجيع الاطباء على مثل هذه المبادرات الانسانية  وتوضيح نظرة الدين تجاه هذا الموضوع ، بما  يحفزهم على الاعمال التي تساعد المرضى من الفقراء والمحتاجين ، وتزيد  في الوقت نفسه من تماسك المجتمع وتعزز وحدته الوطنية  من خلال مبدأ التكافل الاجتماعي ، والانساني بين ابنائه ..

   {{{{

كلام مفيد :

 من جميل ما قيل ( عندما تنظر بقلبك لا يصبح لعينك معنى …)   ..

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...