المعركة على الموصل والنفوذ الإيراني في المنطقة …( بقلم مايكل آيز نشتات، مايكل نايتس) معهد واشنطن

eisenstadt2015b-85x128  knights_press_photo-155x232

كانت إيران المستفيد الخارجي الأول من قيام الولايات المتحدة بالإطاحة بنظام طالبان في عام 2001 وبنظام صدام حسين عام 2003، وهما أهم عدوين إقليميين لإيران في ذلك الوقت. واليوم أيضاً، إذا لم تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات الوقائية المناسبة، ستكون إيران المستفيد الأول من تدمير قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» وتفكيك ما تُدعى بالخلافة في العراق. وبالفعل، عبّر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن هذه المخاوف خلال النقاش الرئاسي النهائي في تشرين الأول/أكتوبر، مشدداً على أنّ إيران ستكون “الرابح الأكبر” عندما يستعيد التحالف الدولي الموصل. وسيتطلب تفادي هذه النتيجة مزيجاً من الخطوات الثابتة من أجل الحفاظ على وحدة هذا التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ، ودعم قدرات العراق على مكافحة التمرد، والمحافظة على سيادة بغداد، وردع إيران بعد انتهاء معركة الموصل.

مصالح طهران الراسخة

شكّلت الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين فرصةً تاريخية لطهران لتحويل عدوها الإقليمي الأكبر إلى دولةٍ تابعة وعضو في ما تدعوه “محور المقاومة” الخاص بها. وقد قاومت الحكومات العراقية المتتالية هذه الضغوط إلى حدٍ ما، ساعيةً إلى بناء شراكةٍ مع الولايات المتحدة ومواجهة النفوذ الإيراني. إلا أنّ إيران بدورها عملت على تخفيف الخطر المتصور الذي يشكله وجود القوات الأمريكية والحكومة المدعومة من قبل الولايات المتحدة في العراق – وهو خطرٌ قد يتفاقم بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» واستلام إدارة ترامب الرئاسة الأمريكية. وسعت إيران أيضاً إلى ضمان أحقية المجتمع الشيعي في العراق، والتقليل من تأثير الدول العربية السنية، وأن تصبح القوة الخارجية الأكثر نفوذاً في العراق.

إن طريقة عمل إيران الحذرة والفعالة الكلفة في العراق قد أدّت غرضها تماماً [وأجدت نفعاً حقيقياً]. فإيران لا تدفع الأبواب المغلقة، ونادراً ما تطلب من القادة العراقيين أن يعملوا بما يعارض المصالح العراقية، بل تنمّي البذور قدر الإمكان، إذ تساعد العراقيين في تحقيق أهدافهم عندما تتماشى مع أهدافها. على سبيل المثال، بينما يراقب «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني السياسات في العراق ويملك مصالح تجارية كثيرة فيها، وخاصة في مجال السياحة الدينية، إلا أنه ليس لإيران أهداف اقتصادية طموحة في العراق. وبالمثل، ستستفيد إيران إذا تطورت «وحدات الحشد الشعبي» العراقية إلى منظمةٍ عسكرية موازية لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني – تعمل على موازنة الجيش العراقي وتطغى عليه. وقد يتحقق ذلك إذا تُرجمت نجاحات هذه الميليشيات ذات الأغلبية الشيعية في الموصل إلى انتصاراتٍ في الانتخابات المقبلة لمجالس المحافظات (2017) والانتخابات النيابية (2018). إلّا أنّ هذا السيناريو لا يوجّه السياسات الإيرانية، مما يعني أنّ مقاربة إيران للعراق هي عمليّة للغاية – وطالما يتم تقديم مصالحها هناك، فإنها مستعدةٌ للتعامل مع (وإذا لزم الأمر، التخلّي عن) أي فصيل معين في العراق.

وفي مرحلة ما بعد معركة الموصل يجدر الانتباه أيضاً إلى ما يسمى بـ “الخطوط الحمراء” التي أبلغ حلفاء إيران – مثل هادي العامري – الولايات المتحدة عنها بانتظام في السابق. وشكّل إحدى هذه الخطوط تدخّل الولايات المتحدة في العمليات القتالية داخل العراق، إلّا أنه يبدو أنّه قد تم تخطّيه عندما شنت القوات الأمريكية الخاصة غارات وقامت بمهمات حربية مسلحة من الأراضي العراقية. ويتمثل خطٌ أحمر آخر بإنشاء قواعد للقوات الأمريكية فقط، إلّا أنّ الولايات المتحدة تخطّته أيضاً بشكلٍ جوهري في عددٍ من المواقع مثل قاعدة “كارا صور بيس” (“فاير بيس بيل” سابقاً). ولم تردّ إيران على هذه التطورات حتى الآن، إلّا أنّ ضبط النفس الواضح الذي تعتمده طهران قد يكون – أكثر من أي شئ آخر – جزءاً من رغبة إيران في مساعدة الحكومة العراقية على تلبية احتياجاتها العاجلة وسياساتها المعلنة.

بالإضافة إلى ذلك، في حين أنّ إيران لطالما اتخذت قراراتها حول العراق بناءً على التطورات الداخلية هناك، قد تتغير هذه العملية الحسابية بعد تحرير الموصل. فعلى سبيل المثال، يمكن للتوترات العسكرية مع الولايات المتحدة في الخليج العربي، أو لقرارٍ أمريكي بزيادة الدعم للحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، أن تدفع إيران إلى الردّ في العراق، ربما من خلال إطلاق حملةٍ بالوكالة لتسريع الانسحاب الأمريكي بعد [تحرير] الموصل.

تأثير الموصل

نظراً إلى أنّ حملة التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ستدفع على الأرجح نسبةً كبيرة من هذه الجماعة إلى العمل السري عوضاً عن الخروج من العراق، سيخلق الانتصار في الموصل فرصاً جديدة لإيران. وتجدر الإشارة إلى أنّ عدداً كبيراً من شخصيات تنظيم «الدولة الإسلامية» هم مسؤولون عسكريون سابقون في نظام البعث، وسيختفون وسيعيشون للقتال يوماً آخر كما فعلت الأجيال السابقة من الضباط البعثيين بعد انقلاب عام 1963 الموالي لجمال عبد الناصر، والغزو الأمريكي عام 2003، وزيادة عدد القوات الأمريكية عام 2007. وكان تنظيم «الدولة الإسلامية» يعمل بشكلٍ جيد كشبكةٍ إرهابية سرية بين العامين 2011 و2014، وتفتقر بغداد للقدرات التي تخوّلها التعامل مع هذا التهديد. وما لم يحدث تغييرٍ جذري في طبيعة السياسة العراقية، فإن معركة الموصل وتداعياتها الفوضوية المحتملة قد تمهّد الطريق أمام اندلاع تمرّدٍ سني جديد – سواء جاء على شكل تنظيم «الدولة الإسلامية – النسخة 2» أو تنظيم «القاعدة في العراق» المولود من جديد، أو تنظيمٍ بعثي جديد على غرار «جيش رجال الطريقة النقشبندية»، أو غيرها. ومن المحتمل أن يتحقق هذا السيناريو خصوصاً إذا بقي تنظيم «الدولة الإسلامية» محتمياً في سوريا ويستغل وجوده هناك لشن عملياتٍ في العراق.

ومثل هذه النتيجة ستضمن استمرار حاجة بغداد إلى شريك/موفّر للمساعدة الأمنية المتمكنة، سواء كان واشنطن أم طهران. ولدى الولايات المتحدة رغبة شديدة في أن تكون هي الشريك المختار، إلّا أنّ قرب إيران وتساؤلاتها العالقة حول موثوقية الولايات المتحدة سوف تدفع العراق على الأرجح إلى الاستمرار في تجنب المخاطر مع طهران. وفي الوقت نفسه، سوف يستمر الوكلاء الإيرانيين المحليين في الانخراط في عمليات التطهير الطائفي في المناطق “المحررة” من أجل تأمين خطوط حاسمة للاتصالات وحماية المجتمعات الشيعية المعزولة أو المحاصرة.

وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تحاول إيران بناء طريق بري عبر العراق وسوريا من أجل تجهيز معبرها الجوي إلى دمشق الذي تستعين به لإعادة تجهيز «حزب الله» ونظام الأسد مع إحكام نفوذها في المشرق العربي. وتبحث إيران بشكلٍ عام عن خطوط اتصالٍ متكررة من أجل تأمين المرونة لشبكتها من الوكلاء والشركاء. وفي حين أنّ المعبر الجوي سيبقى الاتصال الأكثر ملاءمة والوسيلة الأساسية لنقل القوات إلى هناك، فإن المعبر البري سيمكّن إيران من إرسال الإمدادات اللازمة الأقل إلحاحاً بواسطة الطريق البري الأقل تكلفة. وسيوسّع هذا المعبر أيضاً الخيارات المتاحة لإيران إذا اتخذت الولايات المتحدة يوماً ما الخطوة غير المرجحة بإنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا، أو إذا أغلقت إسرائيل مطار دمشق أثناء حربٍ مستقبلية مع «حزب الله». ولعلّ الأهم من ذلك، أن ممراً برياً سيمكّن إيران من توسيع اتصالاتها مع السكان المحليين، مما يخلق فرصاً لممارسة نفوذها وتشكيل التطورات في جميع أرجاء المشرق العربي. وبالفعل، تظهر اليوم مؤشرات على أنّ «وحدات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران التي استولت مؤخراً على قاعدة تلعفر الجوية من تنظيم «الدولة الإسلامية» تحوّلها اليوم إلى منطقة تجمّع لنشر نفوذها في شمال العراق وسوريا لدى سقوط الموصل وتوافر المزيد من الميليشيات الشيعية العراقية.

الخيارات الأمريكية

ستكون الخطوات الأمريكية من أهمّ عوامل صياغة التصرفات الإيرانية في العراق بعد انتهاء معركة الموصل. فكلّما تراجعت واشنطن، تقدّمت طهران. ومن المرجح أن يؤدّي تكرار انسحاب التحالف السريع وفك ارتباطه بين عامي 2009 و2011 إلى تشجيع طهران على زيادة حزمها في العراق ويضعها في موقع أفضل لمواجهة النشاطات الأمريكية هناك. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الحكومة العراقية أيضاً عاملاً أساسياً لتحديد السياسة الإيرانية في العراق. فكلما كانت علاقة واشنطن ببغداد قوية، كلما كانت أسهم الولايات المتحدة المحلية محمية على نحو أفضل.

ولهذه الأسباب، يتعين على الولايات المتحدة التفكير في اتخاذ خمس خطواتٍ لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق ومنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية»:

1. مواصلة التزام التحالف الدولي [بدعم] بغداد من خلال ضمان مساعدته لها في المجالات الآتية: الحفاظ على أمن الحدود العراقية (وخاصة مع سوريا)، والتعامل مع الإرهاب المتصاعد الذي من شبه المؤكد أن يظهر عند هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» كقوةٍ عسكرية شبه تقليدية، وخلق قاعدة لمشروع أمني متعدد الجنسيات الذي سيستمر ما بعد الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية». ويتمثل ذلك بالحفاظ على “قوة المهام المشتركة – »عملية الحل المتأصل«” كتحالفٍ دولي واسع النطاق عوضاً عن السماح بتراجعه إلى مجرد مهمةٍ أمريكية مع بعض الشركاء الصغار. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على واشنطن الموافقة على حزمة جديدة من “صندوق تدريب وتجهيز العراق 2” (ITEF II) أمدها ثلاث سنوات لقوى الأمن العراقية لتغطية الأعوام 2017 إلى 2020 لتحل محل “صندوق تدريب وتجهيز العراق” (ITEF) الذي يغطي الأعوام 2014 إلى 2017.

2. إعادة النظر في مقاربة “قوة المهام المشتركة” لمساعدة قوى الأمن، والارتكاز على نجاحات التدريب في العام المنصرم من أجل إنشاء قوةٍ عراقية أكثر فعالية لمكافحة التمرد. وبدلاً من محاولة خلق قوة عسكرية غربية مصغرة، يتعين على الولايات المتحدة والدول الحليفة لها أن تأخذ في عين الاعتبار خياراتٍ جديدة تدرك الحقائق الثقافية المحلية، وذلك لتفادي الهيكليات التحفيزية التي تولّد الفساد وتمنع القوات العراقية من التحضير للعمليات القتالية وتحقيق الاستقرار بالشكل المناسب. وبالإضافة إلى تعزيز الشراكة في السياسة العراقية، ستشكّل هذه الإجراءات السبيل الأفضل لمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» ونمو النفوذ الإيراني من خلال «وحدات الحشد الشعبي».

3. مساعدة بغداد على مقاومة الضغوط لإضفاء الطابع المؤسسي على «وحدات الحشد الشعبي» المناصرة لإيران كقوة عسكرية كبيرة وموازية، ومموَّلة تمويلاً جيداً وباستطاعتها منافسة قوى الأمن العراقية. ويتمثل السبيل الأفضل لتحقيق ذلك في الانتصار في معركة الموصل دون الاعتماد بشكلٍ كبير على «وحدات الحشد الشعبي»، ومن ثم الحفاظ على جهودٍ دولية قوية وفعالة لمساعدة قوى الأمن. ومن المهم أيضاً الانتباه إلى العدد الكبير من الضباط في “جهاز مكافحة الإرهاب” في الرتب العالية في الجيش العراقي. فلن تحظى الولايات المتحدة بشركاءٍ على المدى البعيد أهم من هؤلاء الضباط المدربين على يدها، لذلك من الضروري الاستماع إليهم وحمايتهم من تخويف الميليشيات ودعمهم في مسيرتهم.

4. ردع إيران من خلال الإشارة بهدوء إلى أنّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي هجمات للوكلاء الإيرانيين على جنودها في العراق.ويشمل ذلك توضيح أنّ مثل هذه الحوادث سيكون لها عواقب سلبية على مستشاري إيران في المنطقة، وكذلك على السفن البحرية لـ «الحرس الثوري الإسلامي» إذا ما قامت بتظليل السفن الأمريكية في الخليج. ولتعزيز مصداقية هذه التحذيرات، يتعين على واشنطن الاستمرار في ردع نشاطات شركاء إيران المزعزعة للاستقرار في أماكن أخرى في المنطقة، مثل قوات الحوثيين التي تسعى إلى عرقلة حرية الملاحة في مضيق باب المندب.

5. التحضير لحملةٍ للإعلام والنفوذ توثّق النشاطات الإيرانية المعيبة في العراق، بما فيها الممارسات التجارية غير العادلة، والتأثير غير المبرر في السياسة، ورعاية العنف ضد العراقيين. ومثل هذه الحملةٌ قد تؤمّن نقاط قوةٍ ضد إيران، خصوصاً إذا تم استخدام المعلومات كطلقةٍ تحذيرية ونشرها عبر وسائل الإعلام التي لا تميل عادةً إلى واشنطن. ولم تتمتع إيران قطّ بشعبيةٍ كبيرة في العراق، حتى في صفوف الشيعة (على الرغم من أن المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» قد قللت هذا الاستياء). لذلك، قد يهتمّ العراقيون لمعرفة الثمن الحقيقي للدعم العسكري الإيراني وإيرادات الغاز والكهرباء، وكيف أنّ الإكراه والعنف يشكلان الوجه الحقيقي المُخبأ للسياحة الدينية الشيعية ذات الأغلبية الإيرانية، وكيف أنّ إيرادات المواد الغذائية من إيران المعفاة من رسوم جمركية لها تأثير سلبي على المزارعين العراقيين. وأخيراً، إن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق قد تُخفض الدعم المحلي للوجود الايراني المكلف في سوريا، مما يخلق ظروفاً مواتية لحملة نفوذ في إيران تسلط الضوء على هذه التكاليف وتعقّد قدرة طهران سياسياً على إبراز قوتها في المنطقة.

 

مايكل آيزنشتات هو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في المعهد، وقد عاد مؤخراً من رحلة إلى العراق.

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!