ما بعد داعش

كفاح محمود كريم

يتحدث الكثير من الخبراء والمحللين عن الأزمة الإنسانية التي تسببت فيها منظمة داعش الإرهابية، ونزوح ملايين البشر من مدنهم وقراهم إلى شتى أنحاء المعمورة، ولاسيما إلى الأماكن الأكثر أمنا في دول الإقليم مثل كوردستان والأردن وتركيا، إضافة إلى الآلاف الذين هاجروا إلى أوربا وأمريكا وإضعافهم الذين ينتظرون، ورغم مأساة حال النازحين على الأقل هنا في كوردستان والأردن وتركيا، إلا إن موضوعا أكثر أهمية وتعقيدا ينتظر الجميع خاصة إذا ما علمنا إن داعش كقوة عسكرية زائلة بالمطلق، ولا يمكن أن تكون وضعا مقبولا أو مستمرا في أية زاوية من العالم مهما امتلكت من قوة وأساليب في إرهاب وارعاب البشر، فهي مرفوضة في عقيدة أغلبية البشرية مهما ادعت أنها تمثل دينا أو مذهبا، فهي من ثم خارج الزمن والحضارة والأخلاق والطبيعة البشرية.

المشكلة الأكثر تعقيدا وربما مأساة وكارثية هي ماذا سيحصل بعد عودة السكان إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، بعد أن خربت داعش بنيتها التحتية بالكامل  على مستوى الخدمات العامة وعلى مستوى بيوت الأفراد، حيث تم تدمير أو تفخيخ أكثر من 90 بالمئة من تلك البيوت والأسواق والدوائر الحكومية أو المباني المملوكة للكورد والشيعة أو المسيحيين والايزيديين، والصورة أكثر مأساوية في المناطق المختلطة قوميا وعرقيا أو المتاخمة لبعضها، فقد تم تمزيق النسيج الذي كان يربطها قبل دخول داعش، ومساهمة العديد من أبناء تلك القرى والبلدات والمدن بالجرائم التي اقترفتها داعش في عمليات القتل على الهوية الدينية كما حصل للكورد الايزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة في كل من سنجار وتلعفر وسهل نينوى، حيث تم هدر دماء الايزيديين والشيعة واستباحة اموالهم ونسائهم واطفالهم، وسبيت الاف النساء الكورديات الايزيديات وتم تزويجهن قسرا لعناصر داعش وامرائها، بل انهم اقاموا اسواقا لبيع النساء جواري في كل من تلعفر والبعاج والموصل والرقة.

كيف سيتعامل آباء البنات المسبيات وإخوانهن وأزواج النساء وأبناؤهن  ممن تم تطليقهن من قبل داعش واغصابهن على اعتناق الإسلام وتزويجهن قسرا أو بيعهن جواري أو عبيداً، كيف سيتعاملون أو يواجهون ذوي أولئك الذين سبوهم وقتلوا رجالهم وتسببوا في الكارثة، ومعظمهم من المناطق المختلطة أو المتاخمة لبعضها، سواء هنا في مدن وبلدات وقرى حدود كردستان أو غيرها في بقية العراق وسوريا؟

حقا أنها كارثة اكبر من كارثة احتلال داعش لتلك المدن والقرى التي تتميز معظمها بالمحافظة والعشائرية وبعلاقات الصداقة والأخوة التي انهارت فجأة تحت تأثير الإيديولوجية الدينية المنحرفة التي مارستها داعش ومن والاها في كل من سنجار مع الكورد الايزيديين والشيعة وفي سهل نينوى أيضا مع الكورد الشيعة والايزيديين ومع المسيحيين.

لقد تسببت تلك الجرائم في تنمية روح الانتقام لدى كل المكونات الدينية الايزيدية والمسيحية والشيعة بسبب التعرض للشرف الشخصي للأسرة في المنطقة من خلال خطف النساء واغتصابهن تحت ذرائع دينية منحرفة، مما سيؤدي لا سمح الله اذا لم يلتفت العقلاء الى تدارك الأمور قبل وقوعها فان مذابح أخرى ستحصل ربما ستكون اكبر بكثير مما حصل

لقد نبهتُ إلى ذلك في الملتقى الذي أقامه مركز الدراسات الستراتيجية العراقي في بيروت قبل أكثر من شهر الآن، مقترحا بعض الأمور في مقدمتها تبني مشروع يعيد الثقة لهؤلاء ويعزز ارتباطهم بمكانهم ويعمل على إيقاف الهجرة إلى أوربا وأمريكا، مشروع يؤمن لهم حماية دولية في اقليم كوردستان، وإلا فأن شبح الانتقام يخيم على المنطقة عموما، إضافة إلى الهجرة الواسعة الى أوربا وأمريكا وكندا مما سيخلق فراغا يؤدي الى تعقيدات اكثر خطورة.  إن إصدار بيان أو قرار من مجلس الأمن يعتبر فيها هذه المناطق منكوبة تماما ويعمل من اجل مشروع دولي تسهم فيه كل الدول الغنية من اجل إعادة الحياة لهم على غرار مشروع ماريشال الذي أعاد بناء المانيا وغيرها، وتعويض الأهالي عما خسروه نتيجة احتلال داعش لمدنهم وقراهم ربما سيسهم في تعويضهم وعلاج جروحهم ومأساتهم.

http://www.azzaman.com/?p=107275

شاهد أيضاً

جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*

لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.